** تتفق جميع الأنظمة في العالم على أمرين مهمين هما : أولاً : ان الهوية الوطنية.. مسألة حياة أو موت بالنسبة للدول والشعوب على حد سواء.. وان التضحية من أجل تكريسها مطلوبة.. لكي تستطيع الدفاع عن وجودها.. وتكفل المستقبل الأفضل لأجيالها.. ثانياً : ان الوطن .. هو المكان.. والزمان.. والقيمة.. وان الانسان لا وجود.. ولا قيمة .. له .. إذا هو فقد انتماءه إلى (الوطن) الآمن .. والنامي.. والمستقر.. والقوي في آن معاً.. ** ونحن هنا في هذه البلاد.. وقد شرفنا الله سبحانه وتعالى بأن نكون (خداماً) لوطن متميز.. فإن مسؤوليتنا تكاد تكون مضاعفة للحفاظ عليه.. وتطويره.. وذلك يتحقق بالولاء الصادق.. والانتماء القوي.. والعطاء المتواصل.. والتضحية بمختلف صورها وألوانها.. حتى يظل (شامخاً) وعظيماً ويواصل رسالته الإنسانية الخالدة في الأرض.. ** أقول هذا ونحن على مشارف الاحتفال باليوم الوطني.. بهدف تلمس صيغ جديدة للاحتفاء به.. والتعبير عن ولائنا المطلق له .. وحفاظنا عليه قوياً.. ومنيعاً.. وبمنأى عن الاخطار.. ** ومنذ البداية.. ** فإن علينا ان نعترف .. أن كل فرد فينا قد قصر في أداء الواجب المترتب عليه تجاه هذا الوطن.. ولذلك القصور عدة وجوه.. ** فمن الناحية التاريخية.. فإننا لم نحافظ على عظمة المكان والزمان المحيطين به.. وتعاملنا مع بعض الآثار بصورة غير حضارية.. فدمرنا الكثير منها.. وأتينا عليها .. ومسحناها من فوق الأرض بدعاوى تفتقر إلى (الموضوعية) وإدراك حقائق التاريخ.. وأهمية رصد وتسجيل وقائعه والاحتفاظ بكل أثر من هذا التاريخ والبناء عليه وتوارثه بين الأجيال.. ** ونحن من الناحية الإدارية.. ظللنا ننظر إلى الوطن على انه مرادف للعقيدة.. ومنازع لها على مكانتها داخل عقولنا.. وقلوبنا.. ونفوسنا.. وقد رافقنا هذا الخطأ التاريخي إلى ما قبل بضع سنوات فقط.. عندما أصبحت لدينا وقفة تصحيحية موفقة من هذا الفهم الخاطئ.. وبدأنا نحتفل به.. ونتوقف عند محطات عديدة فيه.. ونعيش الإحساس المتدفق داخل شراييننا سعادة به.. وفرحة بمنجزاته الآنية.. ** لكن الوطن.. وحق الوطن.. وواجبات الوطن علينا.. ما تزال أعظم .. وأكبر من كل هذا.. وعلينا ان نعالج القصور الذي شاب علاقتنا به – من هذه الناحية – حتى الآن.. ** أما من الناحية التأهيلية .. فإن وطننا يعاني كثيراً من بعض الاختلالات الناشئة عن الانظمة التعليمية والثقافية والاعلامية المتعاقبة فقد غاب عنها البعد التربوي.. وأفرطنا في التركيز على البعديْن الديني.. والتعليمي.. ونسينا ان التربية مسألة أساسية في تكوين ثقافة الشعوب.. وتصليب عودها.. وتصديها لمسؤولياتها.. ولذلك فإن الكثير من الاخطاء الموجودة الآن سواء في انماط التفكير .. أو السلوك.. أو العمل.. أو النظرة إلى الحياة.. وفي تقدير المسؤولية.. هي بسبب الغياب الواضح للعملية التربوية من حياتنا.. وليس غريباً ان نعيش الآن بعض مظاهر (التحلل) أو (اللامبالاة! ) وانعدام المسؤولية .. وضعف المشاركة والتحمل.. وعدم الاحساس بالحقوق العامة علينا وبالتالي.. فإن الكثير من الاختلالات ستتطلب وقتاً طويلاً لمعالجتها بعد أن نكون قد نجحنا في ردم الهوة .. وأخذنا نعالج هذا النقص بقوة.. وأن نتحمل الكثير في سبيل التصحيح لبعض الهزات وأن ندفع الثمن.. من أجل الأجيال القادمة.. ** وتبعاً لذلك أيضاً.. فإن المجتمع يعاني الآن من بعض مظاهر التفكك والانحلال.. وعدم الشعور بالمسؤولية الكاملة.. وبالسطحية في التفكير.. وبالأنانية في السلوك العام.. بدليل ما نعاني منه الآن من عدم تكامل جهود كل من القطاع العام والقطاع الخاص في مسألة التوظيف.. وتقليص معدلات البطالة.. وفي النظرة الدونية للعمل.. وفي المفاضلة بين مصالحنا الخاصة في التوسع في الاستقدام بتكلفة أرخص.. وفي تضييق فرص العمل امام كل مواطن.. ** أما من الناحية الحضارية .. فإن الفجوة ليست هينة بين الاجيال.. لغياب النسق الفكري المتوازن سواء في التربية.. أو في التفكير.. أو النظرة إلى المعرفة.. وقد ولدت هذه الحالة.. درجة من التناقض والازدواجية السلوكية فينا.. فنحن مع الانفتاح ونحن مع التشدد والانغلاق في آن معاً.. نحن مع الوعي المطلق بما يدور في هذا العالم.. ونحن نحارب أنفسنا بالتمسك ببعض الأفكار والمفاهيم التي تسكننا ولا تفارق عقولنا.. ونحن مع الرغبة في استيعاب الآخر ، ومع إقصائه.. بل نحن مع انفسنا وضد انفسنا في آن واحد.. ** وبالتأكيد فإن هذا الواقع غير المريح قد ولّد حالة من الارتباك في التخطيط.. وفي التنظيم.. وفي الحركة.. نحو المستقبل أيضاً.. حتى أصبح التقدم بالنسبة لنا مشكلة.. وأصبح الانفتاح على العالم يمثل أزمة.. أفرزت الارهاب.. والعنف.. وتصادم الآراء والافكار .. ولاندري إلى أين تتجه الأمور.. ** كل هذه الاشياء وغيرها.. تقلل من حق الوطن علينا.. مواطنين ودولة.. وعلينا أن نعرف كيف نحقق حالة من التوازن في حياتنا.. تخرجنا من هذا الارتباك والتلكؤ.. وتتيح لهذا الوطن أن يحصل على حقوقه الكاملة منا.. قبل فوات الأوان. *** ضمير مستتر: ** (تخطئ الشعوب حين تفصل بين حقوقها وحقوق أوطانها.. وتخطئ الدول عندما لا تصحح هذا الخطأ التاريخي وتشارك فيه).