صديقي : ألا تعتقد معي بأن البكاء و"التوحد" تعتبر أحياناً طقساً من طقوس التحرر من القيود نعم قيود المجتمع الذي لا يرحم حتى مرضاه ، فثمة أناس عانوا الأمرَّين مرارة المرض الذي جعله الرب ابتلاء واختبارا لعباده ومرارة المجتمع الذي نعت هؤلاء بأنهم غير أصحاء يجب على أبنائهم أن يجتنبوهم ، لأنهم يعانون من مشاكل نفسية أبعدتهم عن مجتمعهم وجعلتهم وحيدين وأنت تعلم يا صديقي بأن مثل هؤلاء المرضى يحتاجون للمجتمع أكثر من حاجتهم للعلاج فالمجتمع قادر على أن يعيش معهم مرضهم حتى لا يروا في أنفسهم بأنهم مرضى! أنا سأضرب لك مثالا حتى أضعك في الصورة جيدا : إذا أتانا شخص يعاني من اضطرابات نفسية ومن مشاكل صحية ويكون دائما منزويا أو منطويا لوحده لا يحبذ الناس والاختلاط بهم لأنه رأى أن هذا سبيل وحيد للتخلص من البشر والابتعاد عنهم فهو قد يكون واهما وقد يكون متيقنا بأنهم لا يحبذونه بل يحثون صغارهم على الابتعاد عنه فهو مريض في نظرهم لأنه متوحد، في هذه الحالة يا صديقي ألا تعتقد معي بأن العلاج الوحيد والأمثل الذي سيكون حلاً مناسباً لهذا الشخص هو أن يبادر المجتمع لهذا المنطوي أو المريض! على حد قول مجتمعه ، وان يبادروه نفس شعوره أولاً حتى لا يرى فرقاً بينه وبينهم وان يأخذوا بيده إلى باحاتهم وإلى الحياة الذي ينبغي أن يعيشها كما هي فليست كلها حزنا وانطواء كما يرى هو بل حتى فيها فرح واجتماع و(حب) يطلق عليه حب وإن لم يعرف بعد في هذا المجتمع ولكن من أجل أن يعيش مريض ينبغي بأن ندله عليه كما ندعيه نحن المهم أن نأخذه كي يعيش كما نعيش نحن لا أن نهجره وندعه يترنح في حزنه وفي دموع صامتة منطوية على أجفانه فهو في النهاية إنسان لديه ما لدينا من مشاعر وأحلام ولكنها توارت خلف صمته وعزلته _ صديقي هل اقتنعت بما أقول وأن المجتمع كما هو داء لأبنائه هو كذلك دواء لهم وأنه قادر على أن يفك شفرات مثل هؤلاء الذين للأسف نظرنا إليهم كوحوش وابتعدنا عنهم حتى ظلوا عنا بعيدين يعيشون في وحدة وقساوة وألم .. صديقي: ألا ينبغي للمجتمع بأن يحتضن هؤلاء وأن لا يبتعد عنهم لأنه إذا ما كان بعيداً عنهم فهو في النهاية سوف يخسرهم بل قد يكونون منتقمين من هذا المجتمع بصمت قد يندلع يوماً ويكون بركان غضب ، ولنفترض بأنه سيظل على صمته هذا (المتوحد) والمجتمع ينظر ولا يحرك ساكناً فبالتأكيد في نهاية الأمر سنصبح على جيلاً سيظل صامتاً متوحداً بدءاً (بالأطفال) وانتهاءً (بالشباب) والشيب .. التوقيع : متوحد..!