تتسابق التكنولوجيا مع الزمن لتوفير سبل الراحة والترفيه خاصة داخل المنزل، ف»ضغطة» زر واحدة تستطيع التحكم عن بعد في كل شيء، جهاز تلفازك وحتى ستائرك وسياراتك، ولكن الإنسان يعجز عن الوصول إلى لحظات الراحة الحقيقية في النوم، فيمر بصراعات عدة لا تحددها الدقائق بل الساعات، حيث يعاني الكثيرون منا من استعصاء النوم أو تقطعه أي (الأرق) حال استلقائنا على السرير، مما يؤثر سلباً على صحتنا النفسية والجسدية، وهو ما يؤثر على نشاطنا خلال النهار، «الرياض» طرحت هذا الموضوع للتحقيق، فما هو النوم؟، وما هو الأرق؟، وما هي أسبابه؟، وكيف يحدث؟، وما هي طرق علاجه؟. صراع مرير تقول «نهى محمد»: إنها تمر في كل يوم بمرحلة الصراع مع النوم ما يقارب الثلاث ساعات أو أكثر، بل وتلاحظ أن هذه الحالة زادت بعد إنهائها المرحلة الجامعية، وخاصةً إنها لم تحصل أي فرصة للعمل، مضيفةً أنها تقضي معظم وقتها أمام التلفاز أو التصفح عبر «الانترنت»، ومهما أطالت المكوث لابد أن تتقلب في الفراش ألف مرة، حتى تغفو بعد صراع مرير، مشيرةً إلى أنها تحدثت مع معظم زميلاتها اللاتي يعشن نفس ظروفها، ووجدت أن الجميع يعاني من نفس المشكلة وإن اختلف حجمها. منذ فترة طويلة ويؤكد «عادل علي» أنه عندما يضع رأسه على وسادته فإنه يسلط تفكيره في النوم ذاته، لكن سرعان ما تسرقه أفكاره لتسلك اتجاه آخر، مضيفاً أنه يعيد بؤرة تفكيره بتركيز أقوى ولكن لا فائدة، حيث تعجز كل الحلول، وأخيراً يقرر متابعة التلفاز ليغفو ويغط في نوم عميق دون إدراك منه، مشيراً إلى أنه بقي على هذا الحال منذ فترة طويلة إلا في حالة تعرضه للإجهاد في السفر أو القيام بعمل شاق، موضحاً أن طبيعة عمله مريحة فهو عمل مكتبي، لكنه لا يأخذ كفايته من النوم، بل يقضي ليله في التقلب على الفراش، ولا ينام إلا إذا اقترب موعد أذان الفجر، مشدداً على أنه لا يفضل حل القضية باستخدام العقاقير الطبية. د.بتول : نوعية الأكل والشراب و «الرومانسية» و«الأدعية» تساعد على النوم بدون جدوى وتقول «أم غازي»: أنا امرأة كبيرة وفي الخمسين من عمري، وكنت أيام شبابي لا أصدق بحلول الليل فهو وقت راحتي لأخلد للنوم، فخدمة الأبناء والمنزل وتربية بعض الحيوانات تحتاج إلى كثير من الجهد، أما اليوم فقد كبُر أبنائي من حولي وخصصوا خادمة لخدمتي، مما جعلني أبقى الليل أسبح واستغفر وأصلي وأحاول أن أنام لكن دون جدوى، وعند حلول الصباح أغفو ساعة أو ساعتان بالكثير لأستيقظ مجدداً، وفي الظهيرة أنام ساعة ولكن تفكيري يصب في فترات الليل التي أصبحت تقلقني بشكل كبير. ليس مرضاً وتذكر»د.بتول الحلو» استشارية علم النفس العيادي أن الأرق في حد ذاته ليس مرضاً، ولكن ربما يكون عرضةً لمشكلة ما، وعندما لا يأخذ الإنسان كفايته من النوم لأي سبب، فإننا نقول إنه مصاب بالأرق، مضيفةً أن عدم الكفاية هذه ناتجة عن عدم البدء في النوم بعد «الاستلقاء» على السرير، أو تقطع النوم وعدم استمراريته، أو الاستيقاظ مبكراً وعدم القدرة على النوم مرةً ثانية، مشيرةً إلى أن النساء أكثر عرضة للأرق من الرجال، وكبار السن أكثر من الشباب، وعن الوقت الذي يستغرقه الفرد في النوم أوضحت «د.بتول» يتراوح بين 37-61 دقيقة، مؤكدةً أن البحوث في النوم توصلت إلى أن هناك أرقاً مؤقتاً (1-3 ليال)، وأرق قصير المدى (4- 3 أسابيع)، وأرق مزمن (أكثر من 3 أسابيع). هرمون «الميلاتونين» وأضافت أن النوم يكون عن طريق هرمون «الميلاتونين» (هرمون النوم) وهو الذي يضبط ساعة الفرد البيولوجية (وقت النوم ووقت الاستيقاظ) وتشرف على تنظيم إفرازه أعصاب دماغية، حيث رن النوم يحدث في مرحلتين تمران، بحوالي 5 إلى 6 دورات في الليلة الواحدة، و كل دورة تدوم حوالي 90 دقيقة، مبينةً أن المرحلة الأولى تتحرك فيها العين ببطء و يحدث النوم العميق المصحوب بنشاط دماغي بطيء ومنتظم، ومريح، مع انعدام الحلم، وتنتهي بما يعرف ب» Delta sleep» حيث يتم إفراز الهرمونات، وتتجدد الخلايا، والمرحلة الثانية تتحرك فيها العين بسرعة ويحدث فيها تصنيع جزيئات الطاقة والتي تساعد الجسم على تحريك جميع أنشطته بدءاً من العضلات وانتهاء بالذاكرة بعيدة المدى التي يتم فيها تثبيت المعلومات، ليتم استرجاعها فيما بعد، ناصحةً الطلاب بضرورة أخذ وقت كاف من النوم حتى يستطيعوا الاستفادة من خاصية هذه المرحلة. توتر عصبي وأوضحت «د.بتول» أنه عندما لا نأخذ كفايتنا من النوم فإن وظائف جسمنا الحيوية الأساسية ستصاب بالاضطراب، ومن الناحية النفسية يحدث لنا التوتر العصبي بسبب زيادة معدلات إفراز هرمون «الكورتيزول»، بل ويضطرب تركيزنا وانتباهنا ثم ذاكرتنا، مما يزيد من خطورة إصابتنا بالاكتئاب، مشيرةً إلى أنه ليس بالضرورة كل من ينام ساعات قليلة يشكو من الأرق، ولتشخيص هذه النقطة لابد أن نفرق بين قصور الأداء الناتج عن نقص النوم، وقصور الأداء الناتج عن أسباب أخرى، مثل ما ذكرت كضغوط الحياة اليومية ومشاكلها وعدم القدرة على التعامل مع زيادة التوتر والقلق. عقاقير منومة وعن الأسباب الرئيسية للأرق ذكرت «د. بتول»: الاضطرابات النفسية كالشعور بالخوف، والضغط العصبي، والقلق، والتوتر، واضطرابات النوم مثل المشي أثناء النوم، بالإضافة إلى الكوابيس، واضطراب النوم الإيقاعي (نتيجة للنوم الكثيف في أوقات أخرى أو النوم الخفيف) وعدم إدراك حالة النوم، إلى جانب عدم الكفاية الوقائية للنوم، واضطراب بيئة النوم (مثل وجود الضوء، الضوضاء، تغيير السرير أو الوسادة)، وكذلك الاعتماد على العقاقير المنومة، والعقاقير المنشطة والأطعمة المنشطة، لافتةً إلى أن العلماء أكدوا أن العمل في الليل، أو في أوقات متغيرة من يوم لآخر يعرض العاملين للإصابة بالأرق، وأن ارتجاع المريء بسبب تدفق الحموضة المعدية الزائدة إلى الحنجرة مما يسبب الألم وعدم الاستمرار في النوم، وكذلك الصداع والألم نتيجة لجفاف الجسم في حالات القيء والإسهال الشديدين، واستخدام أنواع معينة من الأدوية لهما دور كبير، مشددةً أن القلق الناجم عن ضغوط الحياة اليومية ومشاكلها هو السبب الأهم في إحداث الأرق، فهناك أفراد معينون يصابون به مثل العاملين في الطب والتمريض والطيران والحراسات. ضعف الإنتاجية وعن نتيجة قلة النوم قالت «د. بتول»: يصاب الفرد بالخمول خلال النهار وقلة التركيز وضعف الإنتاجية والنعاس، بالإضافة إلى الإصابة بالاكتئاب والشخير وانقطاع النفس المؤقت أثناء النوم والتوتر، ذاكرةً أنه إذا كان الأرق ناتجاً عن مرض عضوي أو نفسي فإنه يجب علاج هذا المرض ليزول، مؤكدةً أن أكثر من 66 دراسة تقيمية لعدة علاجات سلوكية للأرق، أثبتت فاعلية العلاج النفسي، وبدورنا كمعالجين نفسيين نستخدم العلاج السلوكي مثل الاسترخاء العضلي (PMR) يومياً للتخلص من الضغوط، وكذلك العلاج المعرفي الذي يساعد في علاج الوساوس والأفكار والمعتقدات غير العقلانية المسببة للأرق، ناصحةً بتعديل نمط الحياة متضمناً البيئة المؤثرة على النوم، والتحكم في المؤثرات مثل نظام غرفة النوم التي يجب أن تكون هادئة ومظلمة وذات ألوان مريحة، إلى جانب ارتداء ملابس نوم مريحة حسب نوع الطقس، والتوجه إلى النوم عند الشعور بالنعاس، والنهوض من السرير حال عدم النوم، بالإضافة إلى عدم القراءة على السرير، وعدم النوم أثناء النهار، ولابد من أبعاد الأجهزة الكهربائية عن الغرفة كجهاز التلفاز والجوال لأنها تصدر الأشعة «الكهرومغناطيسية» المضرة للجسم البشري، والتي تؤثر سلباً على الطاقة الداخلة إلى الجسم ومن ثم النوم، كما يجب أن يكون العشاء مبكراً وأن يحتوي على البيض ومشتقات الحليب بالإضافة إلى أكل الموز والخس والملفوف، لأنها تحتوي على مواد تساعد على الاسترخاء والاستغراق في النوم. حليب دافئ ونصحت «د.بتول» قبل النوم بعدم تناول الأطعمة والمشروبات المنشطة مثل البرتقال والفلفل الأخضر والحلوى، وعدم الإكثار من شرب الشاي والقهوة وتعاطي التبغ بأنواعه، بالإضافة إلى عدم تعاطي العقاقير، إلى جانب المداومة على شرب الحليب الدافئ، لأنه يحتوي على نسبة عالية من «التريبتوفان» لأنه مهدئ طبيعي والذي يزداد نسبة امتصاصه إذا أضيف العسل إلى الحليب، كما أن تقنية (SRT) تساعد في التحكم في كمية النوم المطلوبة حسب عمر الفرد، لافتةً إلى أن الحديث الهادئ مع المقربين و«الرومانسية» بين الزوجين يعطي أيضاً نتائج إيجابية ويضيف الأمان النفسي إذا كانت هنالك بعض الضغوط، وللحصول على نوم هادئ ينصح معظم الأطباء باستخدام حبوب النوم لفترة محدودة، ولكن أرى أن العلاج النفسي السلوكي أفضل لأنه يعلم الفرد بعض المهارات التي لا يمكن للدواء فعلها. علاج ديني وشددت «د.بتول « على أهمية العلاج الديني للأرق وهو الطمأنينة بالصلاة وقراءة القرآن وترديد الأدعية التي كان يرددها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام عند النوم، لأنها تحقق المطلوب علاوة على الثواب والأمن والراحة النفسية، مثل «أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه ومن شرِّ عباده ومن همزات الشياطين أن يحضروا»، وكذلك «اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلي وأنم عيني».