يرتبط رمضان لدى الكثيرين منا بذكريات الطفولة وبداية العهد بالصيام , كنا في تلك السنين ننتظر دخول الشهر الكريم لما يحدثه من تغيير في حياتنا اليومية .. عبادات وعادات جميلة تبعدنا عن روتين الشهور الماضية. لو أرجعنا شريط الماضي نجد أن تجاربنا في بدايات الصوم تشكل أبرز ذكرياتنا التي كلما مر شريط الماضي في مخيلتنا ضحكنا عليها فمن صام في يوم شتوي ولم يقاوم طبق الهريس ' ومن صام صيفا" واقتنع أن الماء لا يفطر لأنه صغير ,كان الصوم يمثل لنا دخولنا إلى عالم الكبار ولكن رغم هذه الفرحة فإننا فقدنا متعة تناول أولى حبات اللقيمات وكذلك مسح بقايا قدر المهلبية والكاسترد والتي لا أزال أعتقد أن طعم بقايا القدر هي الألذ. رمضان هو شهر الرفاهية الروحية , هو شهر إعادة الحسابات والتوقف لرؤية حياتنا بمنظار آخر بعيدا عن عجلة التسارع ودوامة الشهور الأخرى التي تلفنا دقائقها وثوانيها لتصل إلي نهاية اليوم الثلاثين ونحن نتساءل كيف مرت تلك الأيام ؟ ونردد آه من سرعة الأيام . هو شهر تتعمق صلتك فيه بخالقك وصلتك بذاتك ،فالكثيرون منا هو أبعد الناس عن دواخلهم في ظل الجري المستمر والعيش ضمن دائرة ثقافة الاستهلاك,رمضان محطة توقف نستطيع أن نبدأ فيها نظاما للتغيير ولو جزئي إذا رغبنا بالتغيير ، مشكلتنا الأساسية أننا نتعامل مع خارج ذواتنا ولا نحاول بناء علاقة صحيحة مع أنفسنا ، حدودنا ، يشكلها من حولنا حتى لو كنا غير مقتنعين بها ، والبعض قد يندفع ويسير في تيار لا يكون مقتنعا به لمجرد أن التيار يسير بذلك الاتجاه , رمضان يشكل إحدى أهم المحطات للتغير ولقراءة الذات ولبناء علاقة ربانية تنبع من داخل الروح وليس مجرد اعتياد وتقليد دون الإحساس بلذة العبادة .. رفاهية الروح رمضان محطة توقف من روتين الحياة , ومحطة بناء ذكريات جديدة تشكل وهج فرح لأننا نحن من قرر تشكيلها ، خلال السنة الماضية والتي تعد من أجمل الرمضانات التي مرت علي بدأت بتجربة أن تكون لحظات ما قبل المغرب في فناء المنزل مشياً ، دعاءً , المهم أن تكون هذه اللحظات سكينة نابعة من الداخل وليس مجرد روتين ، وكررت التجربة هذا العام وما زاد من متعة التجربة أن نخلتنا أثمرت والتي كنا منذ 10 سنوات ننتظر عطاءها ، وأغلب الأيام كنت أجمع حبات التمر منها قبل الفطور ,ارتباطي بها ذكرني بارتباط الكثير من شيوخنا بشجرات مزارعهم ، وهذه حقيقة علمية ففي كتاب ( النبات يحب ويتألم ) شرح هذه الحقيقة وهذا الارتباط الذي لا تشعر به إلا بعد تكرار التجربة أكثر من مرة وحقيقة وصلت إليها أن الإحساس بالسعادة تصنعه أشياء بسيطة لا تحتاج منا إلي مجهود إذا نحن قررنا أن نشعر بها . رمضان محطة توقف إجباري، منا من يشغله السهر بلا فائدة، ومنا من تكون المسلسلات همه، ومنا من يكون رمضان بداية للتغير ومحطة أمان وسكون وعبادة.. ويبقى تساؤلي الأخير لقارئي العزيز : ماذا اخترت ؟ خصوصا أننا نعيش في دائرة المجهول لا ندري هل سنمر على هذه المحطة العام القادم أم أننا سنكون ذكرى لدى الآخرين مثل ذكرياتنا الرمضانية ونحن صغار.