بنفس القدر الذي أرى أنه يجب الترحيب فيه بقرار وزارة الشؤون البلدية والقروية جهة إيفاد بعض قياداتها البلدية والفنية إلى بعض الدول في دورات قصيرة خلال فترة الصيف للإفادة من تجارب الآخرين ، رغم أن البعض عدّه شيئا من التدليل لهذه القيادات ، إلا أنني أعتقد أن هذا القرار يمثل نقلة ما في الفكر الإداري لأنه الوسيلة الوحيدة لتوسيع أفق العاملين في الخدمات البلدية ، مع أنني كنت أتمنى أن تقتصر تلك الدورات على تلك الدول النامية مثلنا والتي لها تجارب متميزة كبلدية دبي وكوالالامبور وتونس على سبيل المثال .. أقول : بنفس القدر الذي يستحق فيه هذا القرار الترحيب لإثراء القيادات الفنية والإدارية في قطاع البلديات ، ورفع كفاءتهم .. بنفس القدر الذي لم أجد فيه أي مبرر لقرار فرض رسوم باهظة على اللوحات واليافطات التجارية للمحلات والمتاجر ، ما دفع الكثيرين للتخلص من اللوحات الكبيرة واستبدالها بلوحات صغيرة مشوهة ، على غرار ( محل حلاقة ) و( محل خياطة ) وما شابه . هذا القرار الذي لا أب له ولا أم هو في حقيقته قرار جباية بامتياز ، وقد كتبتُ عنه قبل هذه المرة ، ولم أجد أي تبرير لامقنع ولا غير مقنع من الجهات المعنية ، رغم أنه أدى بالنتيجة إلى تشويه واجهات مدننا ومحافظاتنا ، خاصة وأن أصحاب بعض المتاجر ، وتحاشيا لدفع الرسوم .. لجأوا لنزع اللوحة الأصل واستبدالها بأخرى صغيرة لا تكاد ترى ، مع ترك قواعدها من الحديد على ما هي عليه ، على أمل أن تمل المؤسسة الموكل إليها جباية تحصيل رسوم اللوحات أو تغفل ليعودوا إلى تعليق لوحات أكثر لياقة ، والغريب في الأمر أن الأمانات والبلديات التي كانت ولا تزال تعاقب المواطنين على تشويه الشوارع والميادين ، وتبالغ في الحث على أن تجميل المدن وتحسينها مطلب وطني .. هي من يرتكب هذا التشويه والتبشيع الممنهج بفرض هذه الرسوم التي لا معنى لها لأنها لا تكلفها شيئا ، ولا تزاحم شوارعها ، واللوحات التعريفية هي حق لأصحاب المحلات وجزء من الدعاية والإعلان الذي لا يتم عملهم إلا به ، وهم وحدهم من يدفع نفقاتها وفواتير استهلاكها من الكهرباء .. وحينما تصر البلديات على تنفيذ هذا القرار التبشيعي فهي تتنازل عن دور خدمي هو من أهم واجباتها جهة إظهار المدن بأفضل مظهر بهدف استثماره كباب جباية للأموال ، وإمعانا في ذلك هي لا تقوم بهذه المهمة من خلال أجهزتها ، وإنما توكلها لمؤسسات تشبه مكاتب تحصيل الديون مقابل نسب معينة ، لأنها تعرف أن هؤلاء ( ما عندهم يمه ارحميني ) .. مقابل التربص بأصحاب المحلات صباح مساء للحصول على أعلى النسب . أنا لست من أصحاب المتاجر والمحلات لكنني كمواطن يسوؤني هذا التشويه .. لذلك أتمنى للمرة الثانية ، وحفاظا على ما تبقى لمدننا من جمال بعدما تراخت كثير من البلديات عن دورها في التحسين والتجميل بالمجسمات ، والنوافير ، والتشجير ، والرصف والتعبيد وإعمار الحدائق ، وغيرها من المحسنات .. أن تعيد النظر في هذا القرار الذي لم يعد يستطيع فيه أحد أن يُفرّق بين محل بطاريات أو محل بطانيات !!.