فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    رحلة طموح    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    الغرب والقرن الأفريقي    جودة خدمات ورفاهية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تخطت الوزارات تخصصاتها فتاهت المشاريع في غياهب البيروقراطية
مهندس متخصص يشخص قضية تعثر المشاريع ويصف العلاج

لماذا تتعرض المشاريع للتعثر, هل العلة في المقاولين وضعف تأهيلهم, أم في الجهات الحكومية وضياع المسؤولية وتشتت جهود الوزارات كأن تصرف الصحة مثلاً جزءاً من وقتها الثمين الذي يفترض صرفه على شؤون المرضى الى المشاريع وقضاياها, وكذالك التربية والتعليم, ومثلهم الجهات الحكومية الأخرى التي تنشئ وكالات هندسية وأخرى اكتفت بإدارات عامة وانقسام الأمر الذي ساهم في ضياع المسؤولية وعدم تركيزها في جهة واحدة, يضاف الى ذلك كله افتقار قطاع المقاولات لجهة تنظيمية تشرف عليه وتتلمس قضاياه, هذه القضايا وغيرها طرحناها على المتخصص المهندس عبد العزيز السحيباني بحكم تراكم خبراته الهندسية واستهل حديثه قائلاً:
تمر بلادنا بحالة استثنائية من الصرف اللامحدود على مشاريع البنية التحتية ، وهذه السنين الخضر يجب أن تعامل بحالة استثنائية تتجاوز الروتين الذي يعطِّل كثيراً من هذه المشاريع ... لأن الهياكل التنظيمية لكثير من الأجهزة الحكومية لم تكن مهيأة لاستقبال مثل هذا السيل الكبير من المشاريع التي تتجاوز إمكاناتها التنظيمية وبيروقراطيتها .. كما أن بنية القطاع الخاص كذلك ( قطاع المقاولات ) لم يستوعب هذا السيل الهادر من المشاريع فتعامل معها بشكل بطيء حيث تعوَّد على الركود في سنوات قلت فيها اعتمادات المشاريع ... وكما نعلم بأن خطة الدولة تتضمن إنفاق ما يزيد على (500 مليار) ريال على المشاريع خلال 5 سنوات وحيث بدأت تظهر في هذه الفترة مشاكل تعثر كثير من المشاريع ... نتيجة لهذا الكم الكبير من الاعتمادات المالية التي لم تكن في تصوُّر المخططين وهذه السنون الخضر يجب استغلالها وتعظيم الفائدة منها ، وما هو حاصل حالياً هو أن الجهات الحكومية لم تستوعب بعد الكمية الكبيرة من الاعتمادات المالية بسبب الإجراءات البيروقراطية التي أخذت عليها في السنين السابقة وفي رأيي فإنه لابد من إجراءات (استثنائية) لمواجهة هذا التعثر لمشاريعنا الحكومية التي هي مشاريع بنية تحتية بمثابة استثمار للوطن كله ومن الصعب التفريط فيها بسبب (الروتين) وهذه الإجراءات تشمل نواحي فنية وتنظيمية ... تشمل الكوادر البشرية والدراسات الفنية والإجراءات التنظيمية .. ويمكن بحثها فيما يلي :-
أولاً : من الناحية الفنية :
قطاع المقاولات ذراع تنفيذية للبنية التحتية ويحتاج إلى استحداث بنك للتعمير والإنشاء
كثير من الأجهزة الحكومية التي تطرح لها مشاريع لها اهتمامات في مجال عملها فمثلاً وزارة التربية والتعليم اهتمامها الأكبر في التعليم وليس إنشاء المدارس أو الإشراف الفني عليها ، ووزارة الصحة اهتمامها هو في الصحة العامة وليس في الإشراف على المستشفيات ... وهذا التنافر بين الاهتمام العام ومشاريع البنية التحتية ربما أوجد حالة من الارتباك في بعض الوزارات ... وهناك بعض الوزارات التي كانت مهيأة من الأساس لمثل هذا الكم من المشاريع ... مثل وزارة النقل التي لا تزال تدور عجلتها في إنشاء الطرق والكباري وتملك من الخبرة الفنية والمالية والإدارية ما يمكنها من استيعاب هذه المشاريع ، وعلى هذا فإنه يجب لمواجهة هذه الحالة ما يلي :-
م. عبد العزيز محمد السحيباني
أ- إيجاد وظائف مؤقتة لخبراء كبار في مجالات دراسات المشاريع وتنفيذها في كل وزارة حكومية تعاني نقصاً في الكادر الفني لها ، وتكون هذه الوظائف ذات خبرات كبيرة في مجال المشاريع ومهارات فنية عالية برواتب مقطوعة ومؤقتة ولتكن سنوية مثلاً ... أو بعدد سنوات المشاريع الكبيرة ( 3 سنوات مثلاً ) ...
ب- إيجاد حوافز تشجيعية للمهندسين والفنيين المشرفين على المشاريع ... فليس من المعقول أن نساوي بين مهندس يشرف على مشروع بقيمة 100 مليون ريال ويحتاج إلى جهد كبير في المتابعة ... مع مهندس لا يشرف على أي مشروع - وليكن الحافز بحجم الإنجاز ... فإذا تم إنجاز المشروع بجودة عالية وبوقته المحدد يحصل هذا المهندس والفني على راتب 3 أشهر (على سبيل المثال) وذلك لخلق حوافز تشجيعية للمهندسين والفنيين للإبداع والابتكار ... لا نقلل من ذلك ونقول إن العوائق أكبر من هذا .. ففكرة بسيطة من فني أو مهندس يمكن أن تدفع مشروعاً بمليارات الريالات إلى الأمام بدلاً من السير في دهاليز البيروقراطية ...
ج- مع الحجم الكبير للمشاريع إلا أن الإدارات الفنية والهندسية في الدوائر الحكومية ظلت على وضعها بدون أي تطوير ... ولم يتم دعمها بشكل مواز للدعم الهائل للمشاريع .. فالكوادر البشرية والفنية في الإدارات الحكومية هي الذراع التنفيذي للمشاريع ويجب دعمها بإيجاد وظائف فنية متميزة بها حيث يصعب التعامل مع الهياكل الوظيفية حالياً في ظل زيادة الاعتمادات المالية للمشاريع ... بل إن بعض الموظفين كالفنيين والمهندسين في هذه الإدارات يظل يطارد وراء ترقيته التي يستحقها ولا يجدها بسبب شح الترقيات ، ولهذا يجب تطوير هذه الإدارات بترقية منسوبيها فور استحقاقهم للترقية ، فليس من المعقول أن يظل منسوبو هذه الإدارات والذين يشرفون على تنفيذ مشاريع بمئات الملايين من الريالات بدون أي حوافز تشجيعية ومن أبسطها الترقيات الوظيفية للمراتب التي يستحقونها ... ولو قارنا الاعتمادات المالية المطلوبة لترقيتهم إلى وظائف أعلى من وظائفهم لوجدنا أنها شيئاً ضئيلاً جداً لا تصل نسبته إلى أكثر من 1٪ من حجم الاعتمادات المالية الهائلة للمشاريع التي يشرفون عليها ... إنني أنادي هنا بكسر جميع الحواجز الروتينية والبيروقراطية التي جعلت من الفنيين والمهندسين يتسربون من الإدارات الفنية في الدوائر الحكومية إلى القطاع الخاص وخاصة في مثل هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به مشاريع البنية التحتية .... من طرق وكباري وجامعات ومستشفيات ومطارات ومبانٍ حكومية تتطلب جهداً استثنائياً في الإشراف والمتابعة.
د- لكل وزارة من الوزارات مشاريعها ، ولكل منها فروعها في أنحاء المملكة المترامية الأطراف ... وهذه الوزارات يحتوي كثير منها على إدارات قليلة تنحصر علاقتها مع فروعها ، بمراجعة مواصفات طرح المشاريع قبل طرحها للمنافسة وما تبقى هو من مهمة فرع الوزارة ... وهذه العلاقة أوجدت نوعاً من الفصام بين الوزارات ومشاريعها ، حيث إن فروع الوزارات هي فروع مهمتها الأساسية مراجعة الوزارة في النظام المركزي ، وكذلك تلبية احتياجات المواطنين واستقبال شكاويهم اليومية ومحاولة إيجاد حلول لها ، وتكاد تنحصر إدارتها الفنية في تسليم مواقع المشاريع واستقبال شكاوى المواطنين اليومية حولها ، وبالتالي فقد انشغل وقتها بالكامل في أمور يومية ومشاكل مؤقتة ، وغفلت عن التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى ومتابعة تنفيذ المشاريع بشكل تكاملي وشامل ...
ومن هنا فإنني أرى أن يتم إنشاء وحدة مستقلة في كل وزارة تكون مرتبطة مع الوزير مباشرة أو بمكتب الوزير نفسه بمسمى (وحدة متابعة المشاريع). ويكون من أهم مهامها :-
مهندس متخصص يشخص قضية تعثر المشاريع ويصف العلاج
القيام بجولات ميدانية مجدولة على مختلف المناطق ومقابلة مديري فروع الوزارة والمشرفين على المشاريع في الميدان وتسجيل أهم ما يعيق أعمالهم ومحاولة إيجاد حلول لها باتصال سريع ومباشر مع مكتب الوزير أو مدير وحدة (تنفيذ المشاريع ومتابعتها) المقترحة ، فكثير من المشاريع تتعثر بسبب مقاول متهاون يتطلب سحب المشروع منه بدون مكاتبات طويلة مع الوزارة ... ووجود هذه الوحدة للمتابعة المباشرة مع فروع الوزارة من خلال (خط ساخن) يمكن أن يسير عجلة كثير من المشاريع التي تعطلت لسنوات بسبب إجراءات روتينية.
وضع تقارير أسبوعية عن نسب إنجاز المشاريع المهمة والكبرى في كل منطقة وعرضها على الوزير ، فإذا كانت نسب الإنجاز في المنطقة ( أ ) مرتفعة والمشاريع المماثلة لها في المنطقة ( ب ) منخفضة عند ذلك يتم التركيز على مشاكل المنطقة ( ب ) لإيجاد حل لمشاكلها والإشادة والشكر للمنطقة ( أ ) لإنجازها.
يكون أعضاء هذه الوحدة على مستوى عال من الخبرة والمسؤولية في الشؤون المالية والإدارية والفنية ومستوى عالٍ من الصلاحيات بسرعة البت في سحب المشاريع أو زيادة الاعتمادات السنوية (السيولة) ، أو تغيير بنود العقد إلى أعمال ليست في العقد ، أو إيقاف المشروع ونقله إلى موقع آخر أو طرحه عن طريق الشراء المباشر ، أو ترسيته على العطاء الذي يلي المقاول المتعثر ... وبهذا يتم تجاوز كثير من الإجراءات الروتينية التي عطلت كثيراً من المشاريع ، حيث إن البت في كثير من المشاكل يتطلب كثيراً من المكاتبات الروتينية التي تأخذ وقتاً طويلاً.
المقاول بين نارين إما الاقتراض واستهلاك ربحية المشروع أو طرحه لمقاولي الباطن
إيجاد حوافز تشجيعية لفروع الوزارات الأكثر إنجازاً من خلال الإحصائيات السنوية لإنجاز المشاريع مثل دعم الهيكل الوظيفي للأفرع ، وترقية الموظفين المتميزين مثل المشرفين على هذه المشاريع والمتابعين لإنجازها وذلك لإعطاء حافز مادي ومعنوي كبير للفروع الأخرى لإنجاز مشاريعها ومتابعتها باستمرار وإيجاد الحلول لتعثرها حتى خارج وقت الدوام الرسمي. وهذا لاشك سيخلق جواً من التنافس والتدافع نحو إنجاز المشاريع بروح طيبة, وسيوفر على الدولة آلاف الملايين من الريالات التي تذهب هدراً في مشاريع متوقفة أو غير منجزة ، وستكون لنا مشاريع بنية تحتية رائعة ومتميزة ومنفذة باحترافية وعلى مستوى عال من الإتقان والجودة ، ويمكن أن تتوسع مهام هذه (الوحدة) في كل وزارة ليكون لها خبراء وفنيون واستشاريون على مستوى عالٍ من الخبرة والمهارة في التعامل مع مشاكل تعثر المشاريع ... صحيح أن مثل هذه الوحدة تحتاج إلى هيكل وظيفي مستحدث وخبرات عالية ، ولكن وجودها سيوفر آلاف الملايين من الريالات وسيحل كثيراً من مشاكل المشاريع المتعثرة التي تقف فروع الوزارات عاجزة عن إيجاد أي حل لها.
ثانياً : من الناحية المالية :
أ- كثير من المشاريع تواجه تعثراً بسبب عدم وجود تمويل كافٍ لها ، حيث إن السيولة المالية السنوية المعتمدة ضمن الميزانية لا تفي باحتياجات البدء في المشروع من تجهيز وتنفيذ سريع مما يجعل المقاول بين نارين ، إما اللجوء للإقراض وبالتالي استهلاك ربحية المشروع ، أو التعاقد مع مقاول من الباطن لتنفيذه بأسعار أقل وجودة أقل فمثلاً يلجأ المقاول للتحايل بالمواد ويستخدم مواداً رخيصة الثمن وأقل جودة حتى يحافظ على ربحيته من المشروع مع اللجوء للاقتراض ، أو أن يتعثر المشروع ويخضع المقاول أخيراً لغرامة لا تتجاوز (10٪) من الأعمال المتأخرة.
وبالتالي فإن الحل لمشكلة التمويل لا يأتي بالدفعة المقدمة التي يجب على المقاول أن يقدم ضماناً مساوياً لها ، ولا يأتي بصرف المستخلصات الجارية .. بل لابد من إيجاد دعم حكومي لقطاع المقاولات كما هو حاصل في دعم قطاع الزراعة ، فالمقاولات هي الذراع التنفيذي للبنية التحتية للدولة ولابد من استحداث دعم لها ، ولهذا أرى أن يتم إنشاء بنك بمسمى ( بنك الإنشاء والتعمير ) تماماً كما هو (صندوق التنمية الزراعية) أو البنك الزراعي سابقاً حيث يعطي قروضاً لشركات المقاولات لاستيراد المعدات والآليات بدون أي فوائد ، مع إعفاء الآلات والمعدات من الرسوم الجمركية ، كما يعطي قروضاً لشراء المواد مثل الإسمنت والحديد والأخشاب والتي هي المكوِّن الأساسي لمشاريع البنية التحتية وتخضع لجشع التجار واحتكارهم المستمر برفع أسعار الحديد وغيرها مما يؤثر سلباً على مشاريع البنية التحتية فيلجأ كثير من المقاولين إلى تأخيرهم للمشاريع وتحمل غرامة التأخير بدلاً من الخضوع للابتزاز وشراء الحديد بأثمان غالية ويلجؤون للانتظار حتى تنخفض أسعار الحديد مما يؤخر كثيراً من مشاريع البنية التحتية كالمباني والجسور والأنفاق ، كما يجب أن يكون هذا ( البنك ) داعماً لأعمال الاستشارات الهندسية ويعطي قروضاً بدون فوائد لتجهيز المكاتب الهندسية واستيراد الأجهزة التي يجب أن تكون معفاة من الرسوم الجمركية ( ولو في هذه الفترة ) ، حيث إن قطاع الإشراف الهندسي والمكاتب الهندسية تعاني من التشتت مما فتح المجال لمكاتب صغيرة غير مؤهلة لتصبح (مكاتب استقدام) فقط بدلاً من أن تكون مكاتب هندسية على مستوى من الخبرة والإتقان.
ب- عدم مواكبة الاعتمادات المالية لعقود الإشراف الهندسي مع اعتمادات المشاريع. مما يلاحظ أنه إذا ازدادت الاعتمادات المالية لمشاريع البنية التحتية الكبرى فليس هناك ربط بين اعتماداتها واعتمادات الإشراف عليها بل هي ثابتة لا تتغير مع تغير حجم المشاريع ، وعندما أذكر الإشراف فإنني أعني الإشراف المعتمد على تصاميم دقيقة وصحيحة ، والملاحظ أن اعتمادات قطاع التصميم مهملة في العقود والمشاريع ، فالمشروع يعتمد يسمي (تنفيذ المشروع والإشراف عليه) ، ولم يتطرق إلى التصاميم على اعتبار إما أنها مسؤولية المقاول مما يدخل الجهة المالكة والمقاول في نفق مظلم لا نهاية له وقد يكون إعداد التصاميم وإعادتها من قبل مقاول غير متخصص سبباً في تأخير المشروع بشكل كبير ، أو أن وزارة المالية حين اعتماد المشروع تفترض أن الجهة المالكة قد درست المشروع من قبل طاقمها الفني وأعدت التصاميم له حيث لا توجد عقود خاصة للتصاميم بل للإشراف فقط ...
ومن هنا فإنني أرى أنه لابد من الفصل بين التصميم والإشراف والتنفيذ ، فلا يكلف المقاول بعمل التصاميم بعد توقيع عقد التنفيذ ، بل يجب طرح عقد في السنة السابقة لطرح المشروع للتنفيذ فمثلاً عند عزم الجهة الحكومية تنفيذ مشروع ( أ ) في العام 1432ه فيجب طرح عقد لتصميم المشروع ( أ ) في العام 1431ه بنسبة لا تقل عن (10٪) من اعتمادات المشروع الأساسية فوجود تصميم هندسي دقيق يكون حالاً لكثير من العوائق التي أخرت كثيراً من المشاريع وأدخلتها في نفق مظلم ... وأن لا يتم ترك المجال للاجتهادات التي تتم غالباً عند أعمال التصاميم فالتصميم هو الحل الأمثل للخلافات التي تقع بين المقاول والجهة ، ووجود عقد مستقل للتصاميم حتى وإن كانت المشاريع الصغيرة، سيكون ذا أثر كبير في التقليل من أخطاء وتجاوزات التنفيذ ومنها ما يلي :-
التصميم غير الدقيق يكلِّف أموالاً طائلة ويستهلك اعتمادات المشروع في أعمال غير أساسية في المشروع وستذهب اعتمادات المشروع هدراً في بنود لا تخدم الوظيفة الأساسية للمشروع ، أما في حالة وجود تصميم دقيق من قبل مكاتب هندسية ذات خبرة عريقة في هذا المجال فستتم بذلك مراجعة التصميم عدة مرات ومنها الهندسة القيمية التي توفر ما لا يقل عن (20٪) من الهدر الذي سيحصل في حالة عدم وجودها.
سيكون سبباً رئيسياً في إنجاز المشروع دون عوائق حيث إن التصاميم التي تعد من قبل الجهة المالكة أو من قبل مكتب هندسي غير مؤهل سيخالف الواقع وبالتالي وجود العوائق الكثيرة التي تؤخر إنجاز المشروع.
بوجود تصميم دقيق وواضح يمكن حساب كميات وبنود أعمال المشروع قبل اعتماد مبلغ له في الميزانية وقبل طرحه في المنافسة وبالتالي الوصول إلى آلية واضحة ودقيقة بين الجهات الحكومية ووزارة المالية في اعتمادات المشاريع واعتماد مبالغ قريبة من الواقع لها بدلاً من (التخمينات) التي تصاحب كثيراً من اعتمادات المشاريع التي تفاجأ الجهة إما بزيادتها عن المطلوب أو أنها تقصر كثيراً عن أعمال المشروع مما يكون سبباً في تأخره وعرقلته.
ثالثاً : من الناحية القانونية والتنظيمية :
يعتمد الأسلوب الإداري والإجرائي للمشاريع على نظام (المنافسات والمشتريات الحكومية) ، والذي تم تحديثه عام 1427ه بالمرسوم الملكي م / 58 وتاريخ 4/9/1427ه ، وهو نظام في هيكلة العام يهدف إلى الحفاظ على مبدأ المساواة بين المقاولين في تنفيذ المشروعات الحكومية وإعطاء المنافسة للمقاول السعودي والمنتجات السعودية والالتزام بالشروط والمواصفات ... وترك النظام والتفاصيل والمشاكل التي تعترض التنفيذيين ولا يستطيعون إيجاد تفسير لها حسب هذا النظام مما جعلهم في حيرة من أمرهم وكثيراً منهم يعطل كثيراً من المشاريع خوفاً من تبعات المسؤولين إذا ما كان تصرفه مخالفاً لهذا النظام ... مع عدم وجود مرجع يفسر لهم النظام ... وكثيراً ممن يفسرون النظام يلجأون إلى الاحتياط في تفسيراتهم وتبريراتهم فيفسرون أي تأخير أو شبه مخالفة للنظام بفقرات تؤيد بنود هذا النظام حتى ولو كان العكس ... أي إنهم التزموا بالنظام حرفياً ولم يلتزموا بروح النظام ومعانيه ومبادئه التي لاشك أنها مبادئ رائعة وجميلة ... ولكن أن يكون هذا النظام سبباً في تعطل كثير من المشاريع وقيداً يؤخر عن المسير فهذا شيء غير مقبول ...
ويمكن أن يتم إجمال الملاحظات (الجوهرية) بما يلي :
من المعروف أن مشاريع البنية التحتية تكون مدة تنفيذها طويلة تمتد لسنوات وقد تنفذ هذه المشاريع في مواقع مختلفة كالطرق والأنفاق والكباري. فلنفترض أن نفقاً معينا يمثل بتكاليفه 10٪ من تكاليف المشروع فلو تأخر المقاول في تنفيذه كل مدة المشروع وهو يحتوي على تحويلات مرورية بمنطقة مكتظة بالحركة فليس هناك لدى الجهة الحكومية آلية لمحاسبة هذا المقاول المقصِّر في جزء بسيط ولكنه مؤثر على المدينة والآلية الموجودة حالياً هي فرض غرامة (10٪) على الجزء المتأخر فقط في نهاية العقد (بعد مرور عدد من السنوات) ، وهذه الآلية أوجدت فراغاً للمقاولين المقصِّرين للتهاون في التنفيذ لأجزاء بسيطة من المشاريع ولكنها مؤثرة في تحملها على حركة المرور ، التعليم ، سيارات الطوارئ ، الحركة الاستثمارية ، الحركة السياحية ، تشويه المنظر العام ....الخ.
من أكثر أسباب إعاقة تنفيذ المشاريع الحكومية الإجراءات الروتينية التي ربما تكون في أغلب الأحيان قيداً ضاراً لا نافعاً في إجراءات التنفيذ ، قد درج معظم المشرفين على المشاريع الحكومية بترديد كلمة (ضبط الجودة) وتحت هذا المسمى تتم إعاقة تنفيذ أكثر من المشاريع دون الوصول إلى نتيجة فكلمة (ضبط الجودة) كلمة رنانة وجميلة ولكن ما هو المقصود بها .. في عقود الإذعان يتم طلب الاختبارات والتصميمات وضبط الجودة من (المقاول نفسه) أي أنه هو الخصم والحكم ومعظم المقاولين قد يجد في ذلك فراغاً للتجاوز وربما إعطاء اختبارات ذات نتائج خادعة لصالحه وذلك هرباً من التعقيد الروتيني الممل له والذي يؤخر مدة المشروع لغير صالحه ، وهذه الإجراءات وإن كانت في ظاهرها تهدف إلى إنجاز المشروع بجودة وإتقان إلا أنها في باطنها تهدف إما إلى إبراز مهارات المشرف الإداري وحصوله على ثناء رئيسه الأعلى (وهو ما يهدف إليه غالباً) دون النظر إلى نتائجها وبالتالي ضياع المشروع نفسه وسط آراء واجتهادات متضاربة نظراً لغموض الإدارة ومفاهيمها ... ولا يمكن الخروج من ذلك إلا بالرقابة الذاتية على الجودة من المقاول نفسه ... وهذه الرقابة لا يمكن فرضها إلا من خلال النظام الأساسي (للعقود والمشتريات) وذلك بإجراءين هما :-
أ- زيادة مدة الضمان النهائي إلى 10 سنوات على الأقل.
ب- زيادة الضمان النهائي نفسه إلى (10٪) على الأقل.
ج- أو أن يقوم المقاول المنفذ بصيانة المبنى لمدة 10 سنوات من تنفيذه.
ومن الغريب أن النظام نفسه فيه فقرتان متناقضتان حول ماهية الضمان النهائي وهو (5٪) وهو ضمان حسن التنفيذ ولم ينص النظام نفسه على مصادرة هذا الضمان للتنفيذ على حساب المقاول في حالة إخلاله بإصلاح الملاحظات في سنة الضمان ففي المادة (الثالثة والثلاثين) الفقرة ج ( يجب الاحتفاظ بالضمان النهائي حتى ينهي المتعاقد التزاماته وفي عقود الأشغال العامة حتى انتهاء فترة الصيانة وتسلم الأعمال النهائية).
ومن المعروف أن سنة الضمان أو الصيانة هي سنة واحدة تبدأ من تاريخ الاستلام الابتدائي وقد تظهر كثير من العيوب بعد سنة فسنة واحدة غير كافية لإظهار عيوب كثير من المشاريع مثل تطاير الأسفلت وتصدع الخرسانة ، وهذه الفقرة تتناقض مع المادة (السادسة والسبعين) والتي تنص على : (يضمن المقاول ما يحدث من تهدم كلي أو جزئي لما أنشأه خلال عشر سنوات من تاريخ تسليمه إياه للجهة الحكومية تسليماً نهائياً متى كان ذلك ناشئاً عن عيب في التنفيذ). فما دام العيب سيظهر خلال السنة الأولى أو خلال 10 سنوات فما هو الفارض بين سنة الضمان وهذه العشر سنوات. ولحل هذا التناقض فإنه لابد من تحميل المقاول المنفذ نفسه أعمال الصيانة لمدة (10 سنوات) بدءاً من تنفيذ المشروع أي (دورة المشروع) وذلك لضمان فرض رقابة ذاتية من المقاول المنفذ حتى ولو تمت زيادة تكاليف المشروع نفسه فإن ذلك سيحقق هدفين أو أكثر :
تنفيذ مشاريع على مستوى عالٍ من الجودة.
توفير كثير من الأموال التي تذهب هدراً بسبب تنفيذ مشاريع على مستوى متدنٍ من الجودة ... فما دام أن الأمر كذلك فلماذا لا تتم زيادة تكاليف المشروع نفسه وتوفير هدر الأموال في الصيانة.
توفير كثير من الأموال والجهد في الاختبارات والتعاقد مع مكاتب استشارية وتعطيل كثير من المشاريع لفحص جودة الأعمال وضمان إنجازها بسرعة من قبل مقاول مؤهل ولن يتقدم لمثل هذه المشاريع حتماً إلا المقاول المؤهل فنياً.
غرامة التأخير (10٪) يجب أن تذهب لصندوق يسمى (صندوق تحسين الإشراف) فيستفاد منه بالجهة الحكومية نفسها لتطوير طاقم الإشراف وإمكاناته ، فلو لم توجد مخالفات وتجاوزات لما تم فرض غرامة التأخير والإشراف ، وبهذا يتم إيجاد حوافز للجهة نفسها على جودة الإشراف.
يجب العمل على دمج المؤسسات الصغيرة في كل منطقة في شركة كبيرة واحدة لتصبح مؤهلة مالياً وفنياً لتنفيذ المشاريع في هذه المناطق ، فكثير من المناطق وخاصة النائية تعاني من عدم توفر مقاول تنفيذ مؤهل ، مما يجعل المجال خصباً لنشوء مؤسسات صغيرة بإمكانات ضعيفة ودمجها سيوفر لنا شركة كبيرة وقادرة على تنفيذ مشاريع كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.