لديه هواية انقلبت إلى هوس. فهو يرى أن العربية أثرت في شتى الحضارات وأساس كل المصطلحات. ما أن يسمع بقصة أو مصطلح إلا انبرى يبحث في أصوله العربية وإن لم يجد اجتهد في تعريبه. سبق له ليّ أعناق الجُمَل بمثل مافعل صاحب "الشيك زبير في قوله إنها أصل اسم شكسبير". كانت زهرة النرجس موضوع حديث لم يرق له، حيث أرجع الناس تسميتها إلى أسطورة الشاب اليوناني "نارسيسوس" الذي رأى انعكاس وجهه على صفحة البحيرة عندما وردها للشرب فهام به عشقاً. لم يبرح مكانه وصار يتحدث إلى خياله في الماء وخيل إليه أنه يبادله الحديث. لم يحفل بحبيبته التي كانت تتردد عليه تحاول أن تعيده إلى الواقع، ولكنه هامَ عشقا بصورته إلى أن تحول إلى زهرة النرجس. - لابد أن لها أصلاً عربياً! هكذا قال على عادته، وقد عزم على البحث عن أصل النرجسية العربي. ولما أعياه البحث جاء بمقابلها العربي: البرجسية. إن كانت اليونانية أفرزت الأسطورة "النرجسية" فالعربية أفرزت أسطورة "البرجسية". تحكي الأسطورة حكاية أعرابي اسمه برجس هامَ على وجهه في الصحراء حتى كاد يقتله العطش، كانت الشمس لافحة ورياح السموم تشوي الوجوه. لم يعد باستطاعته السير كثيرا. كان يتعثر فيسقط كلما خطا بضع خطوات. ثم يزحف قليلا إلى أن يُغمى عليه، وما أن يعود إليه وعيه حتى يعاود المحاولة مرة ثانية وثالثة. فجأة خُيِل إليه أنه يرى ماء غدير. لم يستطع السير فزحف حتى بلغه فكرع الماء حتى ارتوى. ثم رفع رأسه ورأى انعكاس صورته على ماء الغدير فقفز إلى الغدير وهو يقول ماء وراحلة. فقد خيل إليه أن انعكاس صورته على الماء صورة حمار. ولأنه لايتقن العوم فقد مات غرقا. بعد أن قرأ الأسطورة أحس بنشوة المنتصر. وصار يُحدث نفسه ويقول: لديهم نرجسية ولدينا برجسية. ولكن أين الزهرة؟ أين الزهرة؟ لابد من نهاية زهراوية لأسطورة برجس. أمسك القلم وكتب: جف ماء الغدير ولم يُعثر على برجس في القاع كما كان متوقعاً. وما هي إلا أيام حتى انبثقت من بين شقوق الطين الجاف نبتة خضراء مالبثت أن أزهرت وكانت ذات شوك كثير، سميت زهرتها زهرة البرجس نسبة إلى بطل الأسطورة. نعم هذا أفضل. حاول الاتصال من تليفونه النقال بمحمد عبده ليقترح عليه إعادة تسجيل أغنيته لتقول الكلمات: يازهرة البرجس بدلًا من يازهرة النرجس..