ظن الكثير منا عند تقدم وسائل الاتصال المعاصر مثل الفاكس والنقال ورسائله النصية أنها ستحدّ من كثرة انتقال المرء من مكان إلى آخر ؛ حيث كان حتى عهد قريب عليهم أن يدوروا للبحث عن معلومة كرقم معاملة ، أو شرح موقع جغرافي أو أخذ صفحة من كتاب إلى طالبها . صحيح قام الفاكس ببعض مايلزم لكنه لم يحدّ من وجوب الانتقال من هنا إلى هناك داخل المدن ، والازدحام المروري كما هو قبل الفاكس والرسائل النصيّة وأثناءها وبعدها . واضح أن طوفان التقنية لم يلامس همومنا المرورية بجدية . وكلمة " فاكس " بدأ الناس في إدخالها بتعبيراتهم منذ العام الميلادي 1948 . وهي اختصار دلالي وليس حرفيا ، ضمن تلك الدلالات التي تسبح في التعبير العصري . وجاءت المفردة من أصل فرنسي ( فاكسميلى ) .facsmile . وتعني الكتابة للإرسال عن بُعد . أو تيليغراف . ولكن الفعل ( فاكس ) أُجيز في المعاجم منذ العام الميلادي 1970 . لاحظوا أن مهمة أو خدمة التلكس لم تدم طويلا عندنا . فسرعان ما تخلصنا من استعماله أو حتى ذكره في أوراق المراسلات أو على بطاقات الزيارة . والذين يصرون على إطلاق اسم " الناسوخ " على الفاكس لا يُعدمون الصواب . ففي العام الميلادي 1660 كانت الكلمة اللاتينية ( fac simile ) تعني ( الصورة المماثلة ) . ولم يكن ليُقصد بها إرسال الصورة ، لأن الفاكس لم يُخترع . لكن المفردة ( سيمايل ) باللاتيني تعني ( المماثل ) similar . ولو اجتهدنا .. ! ، أو اجتهدت مجامع اللغة العربية وقالت " الناسخ " بدل الناسوخ ، لدخلنا في مشكلة جديدة . فالناسخ تعني " المُلغي " وهي مفردة قرآنية لا سبيل إلى استبدالها . ولكي تتضح الصورة لنضرب مثالا بما نشهده حاليا ونراه في ميدان الحاسب الآلي وما أحدثه من ثورة في الاتصال والمعلومات أدت إلى اختفاء صناعات وسلع منها ما هو مبتكر حديثا ولم يأخذ حظه في الانتشار. وأول ما سقط على أعتاب الحاسب الآلي..الآلات الكاتبة، فقد بدأت في الاندثار إنتاجا وتوزيعا واستخداما رغم التطور الكبير الذي شهدته هذه الصناعة ؛ حيث لم تتخلف عن العصر، وظهرت الآلات المحوسبة التي استفاد صانعوها من إمكانات الحاسب الآلي.. وأرى أن جهاز الناسوخ ((Fax) التقليدي سيختفي أيضا أمام فعاليات الهواتف النقالة وكذلك الهاتف المجيب (Answering machine) . وسيلقى الهاتف المنزلي المصير نفسه إذ بزغ الهاتف الجوال بإمكاناته الخرافية . !!Article.footers.caption!!