عندما تضعف فاعلية المؤسسات الاجتماعية في مجتمع ما، فإن عامة الناس - وتلقائياً – يفتشون عن بدائل لتلك المؤسسات، إما بصورة فردية أو جماعية، وكلما كانت الحاجة أكبر لتلك المؤسسة، اجتهدوا في صياغة بدائلهم، التي تعوّض عن النقص القائم، وتسير حياتهم بصورة طبيعية. يرى الكاتب والباحث رضوان السيد، والمتخصص في الدراسات الإسلامية، أن الحركة الإصلاحية الإسلامية في القرن التاسع عشر، ساهمت في إضعاف المؤسسات الدينية التقليدية الكبرى في العالم الإسلامي، كجامع الأزهر في مصر، أو الزيتونة في تونس، أو القرويين في المغرب، كما ساهمت "الحركات الإحيائية" والتي نشأت في بدايات القرن العشرين، في مضاعفة حالة الضعف التي تعيشها تلك المؤسسات. أي بصياغة أخرى، طرحت الحركة الإصلاحية الإسلامية، والحركات "الإحيائية" نفسها كبديل عن مؤسسات دينية تقليدية، لم تعد قادرة على مواكبة تساؤلات جمهورها. لو عدنا إلى تاريخ رجالات النهضة العربية، في أواخر القرن التاسع عشر، لوجدناهم ممن مروا على تلك المؤسسات الإسلامية التقليدية العريقة، فرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده درسا ودرّسا في الأزهر، وعلال الفاسي في جامع القرويين، وغيرهم. لكن المثير للاهتمام أن أولئك هُم من حملوا هَمّ النهضة في العالم الإسلامي بصورة فردية، دون أن يتمكنوا من النهوض بدور تلك المؤسسات التقليدية رغم عراقتها. وفقدت تلك المؤسسات الاجتماعية / الدينية فاعليتها عندما فشلت في معرفة الأسئلة التي تشغل مجتمعها في تلك الفترة، فتراجعت عن معاصرة هموم واقعها آنذاك، مما اضطر أولئك المصلحين للعمل بصورة مستقلة عنها، فخلقوا أسئلة جديدة، وحاولوا الإجابة عنها إجابات عصرية. ولا يمكن إعادة الاعتبار لأي مؤسسة اجتماعية إلا من خلال العمل على تنشيطها وتفعيل دورها، وجعلها معاصرة لوقتها من ناحية القضايا المطروحة، وطريقة معالجة تلك القضايا، وبالتأكيد من خلال خلق حالة تواصلية أكبر مع المستهدفين من الجمهور من خلال وسائل الإعلام المختلفة. المؤسسات الدينية ليست استثناء بالتأكيد، فيوجد لها الكثير من البدائل المحلية أو الدولية، من تلك البدائل المؤسسات الدينية الحديثة المنتشرة في مختلف بقاع العالم، والتي تطرح رؤى فقهية معاصرة أو "حداثية" إن صحت التسمية، لارتباطها بجمهور من الأقليات الإسلامية التي تعيش في أوروبا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية، فظهرت شخصيات فقهية فاعلة كطه جابر العلواني في أمريكا، أو طارق رمضان في أوروبا، وأصبح لهم جمهور متابع على امتداد العالم العربي والإسلامي. وتحاول أيضاً الحركات الإسلامية المختلفة الاستفادة من أي ثغرة لترويج خطابها، الذي يتراوح بين الانفتاح والتطرف، حسب قادة تلك الحركة وجمهورها وعلاقتها مع السلطة السياسية. كذلك يحظى بعض الفقهاء المسلمين بحضور فاعل على امتداد العالم الإسلامي بصورة مستقلة عن أي مؤسسة، اكتسبوا هذا الحضور من خلال معاصرتهم للقضايا الدينية المطروحة، ومعالجتها في الكتب، ومواقع الإنترنت، والقنوات الفضائية، وغيرها من وسائل التواصل مع الجمهور. هذه بعض البدائل التي تطرح نفسها للمؤسسات الدينية، ونختلف في تقييم هذه البدائل، فبعضها– كالحركات الإحيائية - ساهم وبصورة منهجية في إحباط محاولات الانفتاح في المجتمع، وحاول تكريس الصوت الواحد في الخطاب الإسلامي، أما المؤسسات الإسلامية التي تخاطب الأقليات في أوروبا وأمريكا، فدفعت كثيراً في اتجاه الإصلاح والتجديد حتى في الدول العربية غير المستهدفة في خطابها. في النهاية سيتصارع الجميع لكسب الريادة في العالم الإسلامي، لكن الانتصار سيكون حتماً من نصيب المجدد، القادر على معرفة أسئلة المجتمعات الإسلامية بدقة، ومعالجتها بصورة مقنعة ومعاصرة.