نتابع هذه الأيام الهجمة الصحفية المتأخرة و"المفاجئة" التي يشنها كتابنا على الهيئة العامة للاستثمار والتي فُتح فيها المجال وبشكل "احترافي" لتوجيه الانتقادات اللاذعة لما آلت إليه الأوضاع بعد تفوق المستثمر الأجنبي بمجالاته الخشاشية على المستثمرين الوطنيين بالصناعة والتجارة وهو ما سيجبر هيئة الاستثمار على التحرك و"الاستجابة" لتجاوز تلك العاصفة! فهنا لن أركب "موجة الهجوم" لأنه سبق طرح كافة إشكالات واقع الانفتاح الكبير للمستثمر الأجنبي (21/3/1428ه) والتي لا يمكن أن نفخر بأي استثمار أجنبي لا يساهم في تسريع النمو أو خلق الوظائف للمواطنين أو نقل المعرفة أو تنويع الاقتصاد، فواقع الاستثمارات الأجنبية يؤكد بأنها وسيلة لسحب المزيد من الأموال الوطنية وحل مشكلة بطالة دول أخرى ومزاحمة المستثمر السعودي على القروض الحكومية! ولكنني سأحاول طرح مشكلة الاستثمار الأجنبي بمنظور مختلف "وكعصف ذهني" للتعرف على أسباب التطبيق الخاطئ للاستثمار الأجنبي المطلوب لدعم مجالات التنمية ووفق الضوابط التي تخدم احتياجاتنا. فالحقيقة أنه قبل سنوات كان هناك حماس كبير لإقرار نظام الاستثمار الأجنبي وفي وقت لم يكن لدينا مفهوم واضح و"مستقل" لما نريد منه، إنما كان الأمر مجرد أمنيات ومتطلبات الانفتاح الاقتصادي، فكل ما تم هو ترجمة أنظمة دول غربية وشرقية ودراسة أنظمة عربية مجاورة ومن خبراء أجانب لديهم مفهوم واضح عن الاستثمار الأجنبي ولكنه من منظور يختلف تماما عن احتياجات المملكة، وقد عزز هذا الأمر استقطاب الهيئة لسعوديين وأجانب عملوا في شركات وهيئات أجنبية بدول تستهدف الأموال الأجنبية لأنها تملك التقنية والخبرة وتحتاج فقط للمال، وبالتالي طبقوا لدينا خبراتهم السابقة وفق المفهوم السائد بجميع الدول لجذب الأموال الأجنبية ولأهداف منها ما يتعلق بمشاريعها لخلق وظائف وخدمات أو لدعم عملاتها المحلية، فتم التركيز لدينا على رفع حجم المبالغ التي تحول للمملكة حتى وإن كانت لأنشطة مُستثمر فيها من قبل المواطنين، في حين أن المملكة أساسا تملك المال وليست في حاجة للأموال الأجنبية لكون حاجتها من الاستثمار الأجنبي كانت في نقل التقنية والخبرات الفنية وخصوصا بالمجالات الصناعية لتتم إدارتها وتشغيلها من قبل مواطنيها، بل أن التركيز على جذب الأموال الأجنبية للمملكة وفقا لرؤية باقي الدول تسبب في رفع معدلات التضخم وأدى ذلك لبروز التباين بين الهيئة التي ترى بأنها تسير في الاتجاه الصحيح للاستثمار الأجنبي حسب المطبق بجميع الدول وبين مجتمع يعترض على ذلك الاستثمار بمفهومه الحالي الذي أضر بمستثمرينا ولم يضف جديدا لاقتصادنا! وإذا بحثنا في كيفية تحقيق المملكة المركز الثامن عالميا في جذب الاستثمارات الأجنبية والمركز الأول عربيا وفقا لتقرير المنظمة "الاونكتاد" فإن هذا التقرير أوضح انخفاضا في جذب الاستثمارات الأجنبية لدول عديدة ومنها العربية وبنسب كبيرة كالإمارات ومصر وهذا الانخفاض الذي حدث وعدم التأثر بشكل كبير بالأزمة العالمية - كعوامل خارجية - ساهم في حقيقته بحصول المملكة على مركز متقدم على الرغم من انخفاض حجم الاستثمارات المتدفقة للمملكة من (38.1) مليار دولار عام 2008م الى (35.5) مليار دولار عام 2009م وفي وقت شهدت فيه قطر ولبنان ارتفاعا كبيرا في جذب الاستثمارات الأجنبية! مع ملاحظة أن التقرير أوضح أيضا أن حجم الأموال التي خرجت من المملكة ارتفعت عام 2009م بنسبة (350%) في حين شهدت معظم الدول انخفاضا في قيمة أموالها المهاجرة! وهو ما يثير التساؤلات هل جذب الأموال الأجنبية أصبح أولى من المحافظة على الأموال الوطنية والحد من هجرتها؟ ثم هل أُخذ في الاعتبار تقرير المنظمة الدولية تكرار تحويل بعض المستثمرين العرب والأجانب لنفس المبلغ للمملكة لحصول "جماعتهم" على أكثر من ترخيص؟ فوفقا للنظام وموقع الهيئة يمكن للمستثمر الأجنبي سحب أمواله فور حصوله على الترخيص! والأهم أعتقد أننا ننفذ نظام "مترجم" وضع لخدمة اقتصاد دول تختلف عن حاجة المملكة من الاستثمار الأجنبي وهو ما يتطلب الإسراع بتدارك الوضع وبما يتفق مع حاجتنا لتوطين التقنية والوظائف بدلا من الاستمرار في تطبيق نهج استثماري أثبتت الأيام فشله!