حد وسوم، كلمتان تكاد لاتتم عملية عقارية في المملكة دون أن تسمعهما تترددان كأهم أدوات إبرام الصفقة عند العقاريين! ولقد بحثت عن معنى هاتين الكلمتين وأصلهما في اللغة العربية وعلاقة معناهما بإجراءات الصفقات العقارية، فوجدت أن لهما معاني عديدة أبرزها؛ الحد: حد السيف، والسوم: سوم العذاب! ولم أجد رابطاً لغوياً لمعناهما والمعنى المقصود لدى العقاريين! فالحد لديهم هو المبلغ الذي يقرره المالك كقيمة لعقاره، والسوم هو المبلغ الذي يعرضه المشتري كثمن لهذا العقار. وتتحرك عملية التفاوض والمزايدة بين البائع والمشترين المحتملين حتى يصلوا لرقم يقدره المشتري ويقبله البائع. وطبعاً العملية قد تطول وقد تقصر، لكنها عملية مضنية متعبة للأعصاب للبائع وللمشتري والأشد للوسيط! فلا أحد لدينا يلجأ لمثمن معتمد لتحديد القيمة العادلة للعقار المعروض للبيع. كما أنه يتم عرض وتسويق العقارات وكأننا نسوق سلعة مهربة أو مادة محرمة!! فعملية التسويق والعرض للعقارات تبدأ مغلفة بالغموض فلا معلومات دقيقة عن العقار، ولا نسخة لصكوك ولا خرائط هندسية ولا صور فوتوغرافية ولا عينة من العقود لو كان العقار المعروض مؤجراً. وتحت هذه الغمامة من الغموض يتخبط الوسيط بين حد السيف وسوم العذاب. على الرغم من أن المادة الرابعة من لائحة تنظيم المكاتب العقارية تحتم على الأقل تقديم وثائق الملكية للعقار. كما ورد في نصها: لا يجوز لأي مكتب عقاري بيع أو التوسط في بيع إي عقار إلا بعد حيازته على نسخ من وثائق الملكية ويشترط إلا تكون الملكية محل منازعة، ويعتبر المكتب مسؤولا عن جميع الأضرار التي تلحق البائع أو المشتري نتيجة مخالفته ذلك. إنني أقف خجلة أمام عميلاتي المستثمرات كوسيطة وأحرج من شح المعلومات لدي عن العقارات المعروضة؛ فكيف يتوقع منها اتخاذ قرار ولم يقدم لها أي معلومات عدا أنها عمارة مثلاً في حي ما، والحد مبلغ كذا! الغريب أن يترك مجال حيوي مثل النشاط العقاري الذي يأتي مباشرة بعد النفط في الثقل الاقتصادي للمملكة، بهذه العشوائية والبدائية في أسلوب وإجراءات التعاملات. بينما تم تنظيم معظم العمليات الاقتصادية ووضعت لها معايير وأسس وأنظمة. فلا يوجد نظام للنشاط العقاري وتم الاكتفاء بلائحة تنظيم المكاتب العقارية وحتى هذه اللائحة قديمة تم إصدارها عام 1398 ه وطرأ عليها تحديث وحيد وتعديل طفيف عام 1417ه! بينما يوجد مثلاً نظام مفصل وواضح للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، ويحدث هذا النظام باستمرار، كان آخرها عام 1426ه. يعني ذلك أنه قد تبيع برجاً في أي مدينة رئيسية في المملكة بأسلوب بدائي، بينما لاتستطيع بيع حجر نصف كريم كالفيروز - مثلاً - دون ضوابط وأنظمة دقيقة وأسلوب آية في المهنية والاحترافية!