يتوفى الله الإنسان..ويفضي إلى ما قدم... وبدلا من أن نردد رحمه الله.. تطالعنا عبارات التجريح والسخرية والشماتة.. ولا أعرف سبب التشفي والشماتة بالموت من البعض!!. وهل غدت الكراهية وسيىء اللفظ ؛ من القربات التي ُيتقرب بها إلى ربنا الحليم الرحيم!!. وقبل أن استطرد تحضرني دراسة حديثة قام بها مجموعة من الباحثين في جامعة (جون هوبكنز الأمريكية)- وهو بالمناسبة بحث مشوق وممتع- يشيرون فيه الى نوع من الشخصيات يسمونه(الشخصية غير المتسامحة)!. ويعنون بها الشخصية التي تمتلىء بالكره وتتمركز حول ذاتها وأفكارها وآرائها ولا تتسامح مع كل من يختلف معها.. وضحاياها من الأفراد كثر. ويتراوح أذاها من الحكم القاسي على الآخرين.. إلى الأذى اللفظي..وقد يصل الأمر إلى الأذى البدني!!واللافت أن هؤلاء العلماء طالبوا بتصنيف (الشخصية غير المتسامحة) كشخصية مضطربة،وأن تدرج في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية وأن تكرس الجهود لعلاجها وأن يتم تدريب المعالجين النفسيين وبأعلى مستوى للتعامل معها! تساءلت كم يحيط بنا هكذا شخصيات!! المهم لأعود لسياق عدم التسامح ولكنه للأسف هنا خاص بالأموات..وبتدفق الكراهية والتصنيف حتى في حضرة الموت!.يتوفى أحدهم..فيقول البعض ان هذا المفكر أو الكاتب علماني..وليبرالي.. وحارب الإسلام ووو..وباغته الموت ليعرف هو ومحبوه أن الموت والله حق!!وفريق آخر..يقول عن نفس الشخص انه من رموز التنوير ..وكشف و تحرير العرب من الظلمات والقهر والتشدد والتخلف.. ومابين ذاك الفريق وذاك..أقف محايدة أو على الأقل أحاول ذلك!! لعلي أفلح!.كل ما أتمناه أن يعرف الجميع أنه ليس لأي أحد إطلاقا..حق في الحكم على انسان لأن هذا لله وحده وليس لغيره! وليست وظيفتنا أن نشغل أنفسنا بذلك.. فهي خاصة بالله ولا أدري لماذا ننصب أنفسنا وكلاء على عبيده في أرضه!!أرجع للسنة لم يؤثر عن رسولنا الكريم أنه سب أو شتم أو تقول على أي من خصومه أو صنفهم أو قرر مصائرهم أو ( تجاوز عليهم بالدعاء)..أليس هو قدوتنا!! أم سبحان الله ننتقي من سيرته ما نشاء ونضرب للأسف ببعضهما عرض الحائط كما نشاء!!بالنسبة لي كثير من المفكرين رحمهم الله.. قرأت كتبهم ..ونتج من قراءتي لها الكثير من التساؤلات والانعطافات ..ولا أعتقد أنهم مهما تجاوزا وتطرفوا في أطروحاتهم كما يرى البعض- وأحترم رأيهم كثيراً- سيكونون بأسوأ من فرعون الذي أتى بأكبر كفر..عرفه بشر..إذ ادعى الربوبية!!.. ماذا كان خطاب الله له؟.اذهبا إلى فرعون إنه طغى .فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى!!. (قولا لينا)!!.. لنتأمل معا!! أفكر.. الله حاور الشيطان وأعطاه مساحة واسعة!!.. ومهما كنا ومهما كان خصومنا فلسنا أفضل من الله وليس خصومنا بأسوأ من ابليس!! أليس كذلك!!تكرر الأمر مع د.نصر حامد أبوزيد ..ومع د.أحمد البغدادي ومع من قبلهم ..وسيتكرر من بعدهم للأسف!!أحب كثيرا مقولة الرومي "الحقيقة مثل مرآة كبيرة هبطت من السماء..انكسرت وتبعثرت في ألف قطعة.. كل واحد يمتلك قطعة صغيرة جدا. لكنه يعتقد أنه يمتلكها كلها"!!..ليس لأحد أن يقول أنا الحق وغيري هو الباطل!!وحتى قيمة الحق..النظر لها والتعاطي معها نسبي ويتباين من شخص إلى آخر!.قد يقول البعض انه من خلال طرحك هذا..تحاولين تجميل صورة هؤلاء الكتاب والمفكرين..أو تحاولين تبرئتهم من الكفر والنفاق!. والعمالة للغرب!!.ببساطة أقول لا أحاول تبرئتهم لسبب بسيط جدا لأن محاولتي لا تهم الله ولا تهمهم هم في شيء!! بمثل ما لا يهم الله ولم يطالب أحدا بتكفيرهم أو ادانتهم!!فإنما الحكم له لا لغيره! وله الحمد على ذلك! ويوم القيامة..أعتقد أن الله لن يحاسب الانسان على عدم تكفيره لأخيه!! أو عدم إخراجه له من الملة!! حساب الانسان يوم القيامة ومداره ذاته وما قدمت!!..كثير من نصوص القرآن..تدعو فيما يمكن أن أسميه بانشغال الذات بالذات!!. فما علينا سوى أنفسنا! وللآخرين رب مطلع عليم!!. ليس من شأننا كل هذا..فهذه علاقة خاصة بين الانسان وبين الله! وليست بحاجة أن نثقلها بكم من الوساطات والادانات.. أو حتى التزكيات والشفاعات!! أيها السادة للموت قدسية.. بمثل ما للحياة وللفكر ولروح الإنسان الحر قدسية كذلك!. * قسم علم النفس"علم نفس اجتماعي- جامعة الملك سعود