من المعلوم أن تسمية وترقيم الشوارع والمباني قد أصبحت مطلباً حيوياً للمدن، بل وأحد أهم عناصر المدينة الحديثة. وتحكم سياسة تسمية الشوارع بصفة عامة في أي مدينة من دول العالم مجموعة من المعايير والضوابط من أهمها تسهيل الوصول والتعرف على الوجهة المطلوبة بما في ذلك تسهيل وصول الإسعاف والشرطة والدفاع المدني وخدمات البريد والنقل وغيرها إلى العناوين المقدمة في أسرع وقت، وكذلك مراعاة أن تكون الأسماء قصيرة، وسهلة القراءة، وسهلة الحفظ، وألا تكون من الأسماء القبيحة أو التي تنافي الأخلاق والنظام العام، بالإضافة إلى مراعاة اختيار أسماء الشوارع من بين الذين لهم إسهامات في خدمة هذه المدينة والوطن والأمة التي ينتمي إليها أهالي تلك المدينة، وكذلك العالم والإنسانية بشكل أعم وبما يسهم في تمتين العلاقات بين دولة هذه المدينة والدول المجاورة والدول الأخرى. وبالنظر إلى تجربة المملكة في هذا الجانب نجد أنه قد ظهرت العديد من الانتقادات الموجهة إلى الآلية المتبعة في تسمية الشوارع بمدن المملكة بصفة عامة ومدينة الرياض بصفة خاصة، ومن بينها ما كتبته الدكتورة هتون الفاسي في مقالها الذي نشرته مؤخراً والذي انتقدت فيه سياسة تسمية شوارع مدينة الرياض وذكرت بان هذه المدينة تعاني من مشكلة متفاقمة منذ زمن وتستفحل يوماً بعد يوم مع امتداد التوسع العمراني والبلدي ووصفت السياسة المتبعة في تسمية الشوارع بالتردد والعشوائية وافتقارها إلى حسن التخطيط والمنطق، ولكن هذه الانتقادات مع احترامي لأصحابها لا تعدو أن تكون أراء وانطباعات شخصية تمثل وجهة نظر كاتبيها ولا يمكن القطع بموضوعيتها، وتظل الحاجة قائمة إلى إجراء دراسة علمية للسياسة المتبعة في تسمية الشوارع بمدينة الرياض يتم خلالها تقييم التجربة القائمة والتوصل إلى توصيات تمكن من تطوير هذه السياسة المتبعة واشتمالها على معايير واضحة وضوابط منصفة في تسمية الشوارع، ويمكن بعد ذلك الاستفادة من هذه الدراسة وتوصياتها لمدن المملكة الأخرى. وأود في هذا الخصوص بصفتي احد المواطنين المقيمين بمدينة الرياض أن أشير إلى ملاحظتين على الواقع المشاهد لتطبيق السياسة المقررة في تسمية شوارع مدينة الرياض؛ الأولى: أنه بالرغم من وجود العديد من الذين عملوا في مدينة الرياض وأسهموا في خدمة هذا الوطن العزيز في المجال القانوني من أمثال معالي الدكتور مطلب النفيسة، ومعالي الدكتور محمد الملحم ومعالي الدكتور محمد الجبر (رحمه الله) ومعالي الدكتور مساعد العيبان والدكتور فهد الدغيثر (رحمه الله) ومعالي الأستاذ عصام بن سعيد وغيرهم من الذين ساهموا في خدمة الوطن من خلال إسهاماتهم الكبيرة في مجال تخصصهم القانوني، ولكنني لم أشاهد أي شارع أو حتى ممر يحمل اسم أيّ من هؤلاء العظماء الذين أفنى بعضهم عمره في خدمة هذا الوطن والبعض الاخر لا يزال يخدم وطنه وبصمت كما عرفناهم نحن تلاميذهم يفضلون العمل بصمت. ولا شك أن إطلاق اسم الذين ساهموا في خدمة الوطن على بعض الشوارع يعد تكريما يعبر عن تقدير الوطن لإسهاماتهم في خدمته ويسهم في تعزيز الانتماء الوطني ومحبة الوطن. أما الملاحظة الثانية فهي انني لم أجد شارعا في مدينة الرياض يحمل مسمى احد مواقع الوطن الأثرية أو التراثية أو السياحية التي تعتبر من مقومات تنمية هذا الوطن الثقافية وروافده الاقتصادية مثل مدائن صالح والعقير والأخدود والرجاجيل والأجفر ورجال المع وشاطئ رأس الشيخ حميد. جبل القارة وقرية ذي عين وعروق بني معارض ووادي لجب. ولاشك أن إطلاق اسم تلك المواقع على بعض الشوارع في مدن أخرى غير التي تقع بها تلك المواقع يجسد اهتمامنا بتراثنا الوطني واعتزازنا به ويسهم في تنمية السياحة الداخلية لما يمثله ذلك من نشر الوعي بين المواطنين والمقيمين بوجود تلك المواقع والدعوة غير المباشرة إلى زيارتها والتعرف عليها. يذكر ختاما بان هاتين الملاحظتين مستمدتان من التجربة الشخصية وتظل الحاجة قائمة إلى إجراء الدراسة التي تم اقتراحها آنفا تأخذ في الاعتبار الملاحظات والمقترحات التي جرى طرحها وتخضعها للتقصي والبحث المنهجي وتخرج بتوصيات بناءة. وعليه فإنني اقترح عبر هذا المنبر الإعلامي (صفحة الرأي) المقروءة بشكل واسع على الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، أن تنظر في إجراء هذه الدراسة وان يتم الاستفادة من توصياتها. * مستشار قانوني