السؤال المُتكرر: لماذا نلتزم نحن السعوديين بالأنظمة حينما نُسافر خارج الوطن، ونصبح في منتهى الفوضويّة بعدما نعود؟ أذكر أول مرّة سمعتُ فيها هذا السؤال كان في بداية النصف الأول من السبعينيات الميلادية أثناء فترة الطفرة الاقتصادية الأولى، وأتذكر جيداً صديقاً لي شارك في الحوار قائلاً "أعتقد بأن الغبار الصادر من هدم البيوت الطينيّة وحفر الشوارع الترابية أصاب البعض بنوع من (الهبال) فأصبحوا يركضون دون الالتفات لما يُسمى بالنظام أو الطابور. الكل مستعجل. يا تلحق يا ما تلحق. صار الركض وما صاحبهُ من فوضى سِمة لسلوك مُعظم الناس. بعد أن توفرت النقود بأيديهم فكّروا في السفر للخارج، وهناك وقعوا في مشاكل لا حصر لها مع قوانين وأنظمة تلك البلدان. تسامع الناس أن فلاناً دخل السجن وعلاّناً قُبض عليه وتمت محاكمته وثالث تم ترحيله مخفوراً إلى السعودية وهكذا من أخبار أربكت كل من يفكّر في السفر. قيل للناس لا بد من الالتزام بأنظمة البلدان التي ستسافرون إليها وإلاّ...! التزم المسافرون ولكن بسبب سرعة مللهم وجدوا جدران القوانين المحليّة قصيرة ليقفزوا من فوقها. حين لم يجدوا العين الحمراء استسهلوا كل الأنظمة و(رصعوا) فيها عرض الحائط. من هنا ولدت هذه الظاهرة ثم ترعرعت وكبرت بل شاخت وصعب إعادة الناس إلى الجادّة. خذوا نظام المرور مثالاً لما أقول وسأورد بعض المقارنات: هُناك يتقيد السعودي الذي يقود سيارته بالسرعة المقررة بكل دقة وخوف. هنا يُسابق الريح (هذا قبل نظام ساهر). هُناك يقف تماماً خلف إشارة قف ((Stop Sign ثم يواصل سيره. هُنا لا تعني لهُ هذه الإشارة أي شيء ولا يمكن أن يقف خلفها ولا حتى حواليها. هُناك يقف عند اقترابه من الدوار ويعطي الأفضلية للقادم من اليسار. هنا يقتحم الدوار بفروسية فتتعانق السيارات والشاطر ينجو. هُناك يُخفف سرعته حين تُضيء إشارة المرور باللون الأصفر استعدادًا للوقوف. هُنا يزيد من سرعته ولا يتوقف حتى لو أضاء اللون الأحمر. هُناك يقف خلف السيارات بانتظام عند التقاطعات. هُنا يتجاوز الجميع ويقف أماهم معترضاً بعد خط الوقوف. انتهتْ المساحة، للمقارنات بين هُنا وهُناك بقيّة.