تهتم الجهات التي تعنى بالدراسات والأبحاث وتؤمن بأهميتها في التخطيط والتقويم لبرامجها ومشروعاتها باستطلاع آراء الشرائح المختلفة التي تتوجه إليها المشروعات، ولا تكتفي فقط بآراء الخبراء والباحثين والمخططين . يعد الإنترنت الآن المساحة الأكبر والأوسع قاعدة وجماهيرية في التعبير عن الآراء، وهو الفضاء البكر الذي لم تستخدمه المؤسسات العامة والخاصة في القطاع المدني في معرفة الاتجاهات وقياس الميول والانطباعات وتذهب بعض الجهات إلى خطوة أبعد فلا تكتفي بآراء الشرائح المختلفة في الاستبانات واستطلاعات الرأي التقليدية باعتبار أن هذه الاستمارات تتم تعبئتها في أجواء ليست طبيعية تماماً، وتقيس في الوقت نفسه نقاطاً محددة سلفاً. كما أن من النقد الموجه إلى مثل هذه الاستبانات أن بعض أفراد العينة تتلبسهم حالة الرسمية عند تعبئة البيانات ، ويقومون بكتابة ما يتمنونه لا ما يعبر عن الواقع فعلاً؛ ولذلك تلجأ بعض المؤسسات التي تريد أن تحقق درجة أعلى من الانتشار - قبل إجراء استطلاع رأي - إلى إغراق المشاهد بالإعلانات التي تركز على اسم المنتج فقط وتعوّل على مسألة نفسية لدى المشاهد المحايد أو المتلقي الأبيض، ويقصد به المتلقي الذي لا علاقة له أو اهتمام بهذا النوع من المنتجات، ولكنه لا يحب أن يظهر في الاستطلاع بمظهر الجاهل أو عدم المشارك فيضع أقرب اسم لمنتج يعبر ذاكرته. ومع أن مثل هذه النتائج تكون غير دقيقة وغير صادقة لكن الشركات التي يهمها تحقيق درجة أعلى في الانتشار تعوّل على هذا النوع من الاستغلال النفسي للوصول إلى أهدافها من رفع درجتها في الانتشار، كما أن من النقد الموجه إلى استطلاعات الرأي في الاستبانات المعدة سلفاً تدخل الرقيب الداخلي لدى بعض أفراد العينة، فتتحكم في إجاباتهم عوامل الحذر أو الإحساس بالالتزام الأخلاقي أو الديني أو الاجتماعي، على الرغم من الجهود التي يبذلها مصممو الاستبانات من حيث تحكيمها وضبط معاييرها، واستخدام الوسائل الإحصائية المختلفة للتحقق من صدق ومنطقية الإجابات واستبعاد ما يؤثر في صدق وثبات الاختبار. بعض المؤسسات تضيف ضلعاً ثالثاً للدراسات النظرية والتحليلية واستطلاعات الرأي يتمثل في رصد الآراء المباشرة والتلقائية لدى الجمهور المستهدف، ومع أن مثل هذه الأمور لايمكن ضبطها أو التحكم في شموليتها أو تغطيتها لجوانب الموضوع؛ إلا أنها تعطي مؤشراً على نوع معين يمكن تحليله من منطلق صدقه وتلقائيته، كأن تلجأ الحكومات إلى إنشاء حائط الكتابة الشعبي فيكتب كل شخص عليه ما يريده، وكلجوء إدارات المدارس إلى تجميع العبارات المكتوبة في دورات المياه لمعرفة انطباعات واتجاهات الطلاب والطالبات. ويعد الإنترنت الآن المساحة الأكبر والأوسع قاعدة وجماهيرية في التعبير عن الآراء، وهو الفضاء البكر الذي لم تستخدمه المؤسسات العامة والخاصة في القطاع المدني في معرفة الاتجاهات وقياس الميول والانطباعات، ليس فقط في رصد المؤشرات التلقائية والعفوية، وإنما في صنع مناخات وبيئات افتراضية وشبه طبيعية تحفز المستخدمين على المشاركة وإبداء الرأي، مستفيدة مما توفره الإنترنت من صراحة وصدق ومباشرة وتلقائية في التعبير، وحماية إلى حد كبير لخصوصية المشاركين . هناك تجربتان واضحتان في هذا المجال إحداهما عالمية والأخرى محلية، الأولى هي استفادة الشركات الكبرى في أوروبا وأمريكا من الخبرات الاستخباراتية والأمنية في استطلاعات الرأي وقياس الاتجاهات، ورصد الميول والانطباعات؛ حيث كانت تجربتها في هذا المجال متقدمة ومتطورة وأصبحت لها أدبيات ونظريات معتمدة، وبعضها يتم تدريسه في الجامعات والمعاهد والمراكز المتخصصة. ومثل هذا الأسلوب لايعد فريداً في أوروبا وأمريكا، فكثير من المنجزات التقنية في صناعة الترفيه والمواصلات والاتصالات وحتى في وسائل المعيشة كالطبخ والأثاث استفادت فيها الشركات من نتائج أبحاث واختراعات الدوائر العسكرية، ويكفي أن تقوم برحلة إلى المعرض المفتوح في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في فلوريدا ثم تزور بعدها - وفي نفس المنطقة - مدينة ديزني للألعاب ، وعالم البحار للترفيه وستوديوهات يونيفرسال لترى كيف استفادت هذه الصناعات من المنجزات العسكرية والفضائية. التجربة الأخرى المحلية هي تجربة الشباب من الجنسين في الفيس بوك بالدرجة الأولى، وبفارق كبير عن بقية الشبكات الاجتماعية الأخرى، فهناك عدد كبير من الشبان والشابات يبتكرون وسائل مختلفة لقياس الآراء ورصد التوجهات على صفحاتهم الشخصية، أو الصفحات العامة المخصصة لموضوع معين . ويستخدمون في ذلك جميع الوسائل المتاحة في صفحة الفيس بوك أو يقومون بابتكار وسائل جديدة وجذابة، والجمهور الموجود على شبكة الفيس بوك يتجاوز في السعودية وحدها مليونين وربع المليون مشترك حسب إحصاءات الموقع نفسه. وما يقوم به الشباب في هذا الموقع والمواقع الأخرى المشابهة لمناقشة كثير من القضايا التي تتصدرها القضايا الاجتماعية وبخاصة قضايا الحب والزواج ثم القضايا الدينية والدراسية والطبية والفنية وغيرها، مهم جداً ويكشف عن كثير من العوامل والإشارات المهمة التي لا تخطر على بال ولكنها تبقى في حدود هذا الفضاء السايبروني، وفي إطار الفئات العمرية التي لا تشارك في الموقع فقط من باب إثبات الذات، وإنما في استخدام كل عناصره ومجالاته المتاحة ، أو ابتكار وسائل جديدة يتيحها الموقع المرن. وتكمن المشكلة في أن معظم المخططين والدارسين ومصممي الاستبانات هم من جيل يختلف عن الجيل المستهدف بالدراسة؛ ولذلك نجد أن هناك مسارات تشبه الخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان أبداً، فإشراك جيل الشباب في التخطيط للبرامج وتطويرها وتقويمها يحول الخطوط المتوازية إلى متقاطعة، ويكفل بالتالي النتائج الواقعية والحقيقية لتحقيق التنمية بالطريقة المثلى..