لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت “الفيس بوك” مقصورة فقط على تكوين صداقات جديدة، أو التحاور مع شخصيات بعيدة، يتبادلون خلالها الآراء ووجهات النظر والاستفادة والإفادة، بل تحوّلت إلى مجموعات كثيرة (قروبا) وكل مجموعة لها أهدافها وأسبابها. فهناك من أنشأ “قروب” لهدف إنساني نبيل يتم من خلاله الوقوف على أزمة صحية يعاني منها مريض ويطرحون فيها حالة ذلك المريض أو المحتاج بصورة تعبّر عن عاطفة إنسانية، أو أخرى عن موضوعات اجتماعيّة ذات أهميّة بالنسبة لهم، بل زيادةً على ذلك، يمكنهم حشد الداعمين لقضيتهم ودفعهم لتقديم المساعدة الماديّة أو الشخصيّة فقط عن طريق منظمات معترف بها تُعنى بشأن القضايا ذاتها، أو هدف وطني صادق للحد من الفتن وكثرة الأقاويل وترشيد المجتمعات. ولكن البعض قاموا بإنشاء “قروبات” خاصة لمهاجمة أشخاص معينين ليتحوّل “الفيس بوك” إلى ساحة لتصفية الحسابات، إضافةً إلى انتحال بعض الشخصيات لأسماء بعض المشاهير للقيام بعمل المجموعة التي تحمل أسماؤهم، في محاولة منهم لتشويه سمعة أولئك المشاهير. ولم تعد صفحات “الفيس بوك” مقصورة على ذلك فقط، بل تحوّلت (لدى البعض) إلى ساحة علنية لتبادل الشتائم والهجوم بألفاظ وعبارات خارجة عن الأدب. ولا بد أن نشير في هذا الصدد إلى ما فعله “الفيس بوك” في الكثير من المجتمعات العربية في الفترات الأخيرة، وما نجم عن ذلك من قيام ثورات ومظاهرات بعضها ما زال قائمًا إلى اليوم، وهذا يدلل على التأثير القوي لهذا الموقع وأمثاله على شبكة الإنترنت. حصل كثيرًا معي الدكتورة أشجان هندي (إحدى المهتمات بمواقع التواصل كالفيس بوك) تقول: “في الإعلام الإلكتروني أصبح من الممكن لأي شخص أن يكون له منبر دون أيّ شروط أو التزامات خاصة، وفي النهاية الحكم فيها والفيصل هو أهواؤه ورؤيته، وبالتالي في هذه ((القروبات)) أشياء إيجابية تُنشر ولكن لا أشترك فيها، وهناك أشياء لا فائدة منها وأخشى أن يكون ضررهم أكبر من نفعهم، ومثل هذه ((القروبات)) تصل إلى أناس لم يصلوا لدرجة كبيرة من النضج ولها تأثير سيء عليهم وعلى المجتمع لأنها منابر إعلامية سريعة وغير محكومة بضوابط، فيستغلها هؤلاء دون مراعاة لضوابط معينة وبأفكار هدّامة مدمرة وخطرها أفتك من المرض الذي يصيب الجسد، ويجب أن يكون الإنسان رقيبًا على نفسه وعلى فكره وعلى مجتمعه”. واشتكت هندي من الإضافات الكثيرة التي تأتيها من العديد من “القروبات غير المرغوب فيها” دون أخذ الموافقة من العضو شخصيًا، وهنا تكمن الخطورة، حيث تضاف ل “قروبات مشبوهة” ولم يتم أخذ الموافقة بالانضمام إليها، وهذا يسبّب العديد من الإشكاليات والخطورة الكبيرة، مشيرةً إلى أن “هذا حصل كثيرًا معي”. الرقابة الذاتية الدكتورة أميرة كشغري (المتواجدة بشكل مستمر في موقع التواصل الاجتماعي ومشاركة في العديد من القروبات كحملة ((بلدي)) والعديد من المجموعات الخاصة بالمرأة والطفل) فتقول: “في رأيي أن مواقع التواصل الاجتماعي أهم خدمة تقدمها للإنسان هو التعبير عن ذاته بطريقة تلقائية طبيعية دون وجود رقيب، وفي ظل هذه الممارسة يحتاج إلى أن يكون عند الإنسان نوع من الضوابط أو نوع من الرقابة الذاتية التي تمنعه من الممارسات السلبية، وما زال هناك دور إيجابي لهذه المواقع، ومهما قلنا ان المجموعات سلبية أو إيجابية نعتقد أنها خطوة في مرحلة الوصول للتعبير بطريقة لائقة لا تخالف الأنظمة والقوانين الإعلامية”. وأضافت: “نعرف أن الإعلام الجديد عليه قوانين وضوابط، فإذا قامت مجموعة بنشر أمور سلبية ضد مؤسسات أو أشخاص فسيتم بالتأكيد متابعتهم حتى لو كان باسم غير صريح، ولا أرى أن الموضوع سلبي، ولكن أرى أن السلبية تكمن في أن تلك المجموعات لم يصل فيها الأفراد إلى القدرة على ممارسة العمل الإعلامي بدون رقيب ولكن برقيب أخلاقي، وأنا بحكم تعاملي الدائم مع ((الفيس بوك)) لم أتضرّر أبدًا مع وجود العديد من السلبيات، فالالتزام بمعايير وقوانين الإعلام هذا أمر لا تصل له حتى تمر بهذه المرحلة، و((بعض القروبات)) للأسف تضيف الأعضاء دون أخذ رأيهم وهذه مشكلة كبرى، إلى جانب وجود بعض الجرائم المعلوماتية التي ما زالت قائمة دون وجود حل رسمي مثل ((الهكرز)) الذي لم نجد له حلًا”. قضية واستفتاء الإعلامي حسن الطالعي له رأيه حول هذا الموضوع، فيقول: “لو تتّبعنا هذه المجموعات نجد أنها تتناول الكثير من المجالات، سواء الشخصية منها أو الاجتماعية وغيرها من القضايا، وأما فيما يتعلّق بالمجموعات الشخصية فهي تعتمد اعتمادا كاملًا على شهرة صاحب هذه المجموعة ومكانته”. وأضاف: “أما ما يتعلّق بالمجموعات الاجتماعية فالدافع الرئيسي لإنشائها هو القضية التي يتناولها من خلال حملات تهدف إلى تسليط الضوء عليها وفي نفس الوقت هي تأتي كنوع من الاستفتاء حول هذه القضية وموافقة المجتمع عليها أو رفضها، ولكن السؤال المهم هنا هو: ما مدى جدوى مثل هذه الحملات أو المجموعات في التأثير على الرأي العام وتشكيل رأي يمكن من خلاله إصدار قرارات أو تنظيمات معيّنة تخص هذه القضية أو المشكلة؟!”. وأوضح الطالعي أنه من وجهة نظره أن هذه المجموعات أو “القروبات” لا تعكس إلا نبض المجتمع (لفترة محددة) فقط سرعان ما تنطفئ شعلة حماسها دون الوصول إلى حل جذري لها.. إذًا هي مجرد تنفيس، ظاهره رفض أو قبول وباطنه مجرد رأي فقط.. والمُلاحظ أيضًا هو وجود مجموعات جديدة (تجاريه) بدأت تنتشر بشكل كبير تتعلّق بشركات خاصة أو جهات ذات علاقة خدمية بالمجتمع من باب التعريف بنشاطاتها والترويج لها، وفي رأيي أن هذه المجموعات هي الأكثر نجاحًا في الوصول إلى المستهلك وإلى أكبر شريحة مستهدفة لتحقيق انتشار أوسع. الأسماء المستعارة الإعلامي عبدالله الطياري قال بهذا الخصوص: “أنا اعتقد أن أي ((قروب)) سواء على ((الفيس بوك)) أو غيره له فوائد، وله منافع، وأرى أن هناك ((القروبات)) التي تأخذ الطابع الجدّي وذات الحوار الهادف، وهؤلاء مرحبًا بهم، وأمّا غيرها من ((القروبات)) التي انتشرت على ((الفيس بوك)) وبخاصة تلك ذات الطابع الشبابي فهي تصب في العبث الكبير لتفريغ الكم الهائل المكبوت لدى هؤلاء الشباب، خاصةً في المجتمعات العربية، ولا ننسي أن الكثير من أصحاب هؤلاء الذين ينضمون إليها يختفون خلف ستار الأسماء المستعارة لتعطيهم المساحة من الحرية في الحديث، وذلك لأن المجتمع كبّلهم بالكثير من الحواجز التي تفرض عليهم الصمت أكثر من الكلام، ولهذا اعتقد أن ((القروبات)) على ((الفيس بوك)) هي نبض حقيقي، اتفقنا أو اختلفنا معها، عما يدور في المجتمع، ولذا علينا استغلال هؤلاء الشباب وتدريبهم على الجهر بآرائهم بأسمائهم العلنية بدلًا من قمعهم بالتقاليد الاجتماعية أو الدينية، ومتى ما تمّ تحفيز هؤلاء الشباب على الكلام، كل ما أخذنا بهم إلى المنطقة المكشوفة أكثر من ظلام هذه ((القروبات)). مواهب وإبداعات الإعلامي عبدالرحمن القايدي يرى أن “القروبات” هي فكرة مناسبة للتواصل مع الجمهور ضمن “قروبات” تجسّدت في ملتقيات إلكترونية، مؤكدًا أن “الفيس بوك” أعطى للكثيرين الفرصة لعرض مواهبهم وباقة إبداعاتهم، وأيضًا التعرّف على أقلامهم، وهذا ما يحدث فعلًا على الكثير من الصفحات، حيث تم اكتشاف أكثر من موهبة شابة المتراوحة في المستويات، ولكن يكفي أن يجمعها الإبداع. ويوضّح القايدي تجربته الخاصة على “الفيس بوك” بأنه يحرص على التواصل الدائم مع أصدقائه من خلال إرسال الرسائل واستقبال التعليقات والرد عليها، لكنه يرفض في نفس الوقت الانضمام لتلك “القروبات” لما فيها من أمور لا ترتقي للذوق العام -حسب وصفه-. منابر للشتم خالد الحمود (أحد المشاركين في الكثير من المجموعات) يعتبر أن “القروبات” المنتشرة بشكل كبير قد تجاوزت نطاق الهدف الذي وُضعت من أجله، مؤكدًا أن هذه “القروبات” أصبحت عبارة عن منابر للقذف والشتم، بعد أن كانت عبارة عن مجلس يحتضن شخصيات عديدة ومن دول متعددة لتبادل أفكار معينة وطرح القضايا الجادة وبنقاشات مختلفة من شأنها أن تثري الفكر، مشيرًا إلى أن أجمل ما في “الفيس بوك” هو التواصل مع الأصدقاء، فهو يقرّب البعيد، وتزداد حدود الصداقة والتعاون بين الشباب المشترك في “الفيس بوك” والذي ينتمي إلى عدد من الدول العربية والإسلامية والأجنبية أيضًا. مساحة للتقارب نايف العلي صاحب “قروب ملتقى إعلاميي جدة” يعلّق قائلًا: “خلال بضع سنوات تحوّلت مواقع التواصل والأصدقاء مثل ((الفيس بوك)) إلى مساحة تقارب اجتماعي عوّضت عن انحسار التواصل الواقعي اليومي بسبب ضغوط الحياة العصرية وإيقاعها السريع في أغلب المجتمعات”. وأضاف: “بالنسبة لمجموعة ملتقى إعلاميي جدة فهي تهتم بالأخبار السريعة والعاجلة وبالصور من قلب الحدث، والمجموعة لها هدف واحد وهو التواصل بين إعلاميي جدة وطرح كل ما يتعلق بهم، وأصبح ((القروب)) من أهم ((القروبات)) المطلوبة على موقع ((الفيس بوك))، وأصبحت بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية تنقل بعض الأخبار من هذا ((القروب))”. ظاهرة إيجابية بدر الفهيد الذي أنشأ “قروب فيلادلفيا ملتقى النجوم” فيرن أن ل “الفيس بوك” ميزة إعلامية ممتازة توفّرها تلك الشبكة الواسعة الانتشار والتأثير. ويقول: “الهدف من هذا ((القروب)) هو دعم الأنشطة الاجتماعية والتواصل مع نجوم الوسط الفني والثقافي وطرح كل ما هو جديد ووضع بعض النقاط لمناقشتها وتبّنيها والخروج بتوصيات تُرفع لمسؤولين بعد ذلك، فكما يحتاج الإعلام في بناء رأي عام واع فاعل ومتفاعل مع متغيّرات العالم، كذلك فإننا كإعلاميين على ((الفيس بوك)) نحتاج لتواصل المؤسسات الرسمية، فهم عنصر أساسي في بنية المجتمع”. وأضاف الفهيد: “إن الفيس بوك وما يتضمنه من مجموعات لهو ظاهرة إيجابية، فهي من شأنها أن تدعم المجتمع بالطريقة الصحيحة والنظامية، بعيدًا عن تلك ((القروبات)) التي يُنشئها أصحابها لتصفية حسابات أو لأهداف غير مقبولة”، مستطردًا: “في رأيي أن ((القروبات)) يجب أن تُبنى على أهداف معيّنة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن”. قدوتنا خوجة الناشط في موقع التواصل الاجتماعي وأحد المنتمين ل “قروبات الفيس” علي الأسمري يبدي رأيه في الموضوع قائلًا: “نال ((الفيس بوك)) في الفترة الأخيرة صدى كبيرًا بين الناس ولا سيما لدى فئة الشباب الذين أبدعوا في استخدامه وتشكيل صفحات كثيرة تتمثل في مُلتقيات، وقدوتنا في ذلك وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي له صفحة خاصة به، وهذا ما دفع العديد من المسؤولين لفعل ما قام به الوزير، وأضف إلى ذلك أن المجموعات التي أنشأها بعض المنتمين يستخدمونها إما للتسويق أو للدعم أو لتبادل الشتائم وتصفية الحسابات”. إعلامنا الجديد الإعلامية فاطمة آل عمرو (إحدى الناشطات في موقع الفيس بوك) تقول: “يُعتبر موقع الفيس بوك من أهم المواقع الاجتماعية للتواصل بين الأشخاص في العصر الحالي، فهناك ((قروبات)) كثيرة لا حصر لها، سواء كانت عربية أم أجنبية، ونتيجة لذلك فإننا نود أن نحصرها كالآتي: ((قروبات بريد الهوتميل والياهو)) و((قروبات البريد أو الهوتميل)) تلك التي انتشرت سابقًا و((قروبات الفيس بوك)) التي انتشرت حاليًا بشكل ملحوظ، وخصوصًا في السنوات الأخيرة، ولا ننكر أبدًا الدور الذي قام به إعلامنا الجديد في خدمة المجتمع والتواصل معه، وأبرز الخدمات استفادت منها وسائل الإعلام والمجتمع، وخلق حلقة وصل بيننا وبين الدول الأخرى، مثل كارثة سيول جدة، إذ وضع مجموعة من الشباب والشابات ((قروبًا إيجابيًا)) يحمل هموم سكان حي قويزة بجدة، فهذه إحدى إيجابيات ((القروبات)) من وجهة نظري، وأنا أؤيد المجموعات التي تهدف إلى إصلاح ورشد المشتركين، وضد حملات الإعجاب بشخص معين في بداية مشواره المهني والتي أرى انها مضيعة للوقت، وما رأيته من تلك المجموعات سوى المجاملات والمديح، ومن يريد أن يقدم على هذه الخطوة عليه أن يثق بإمكانياته وقدراته المهنية وأن يكون قد تقلّد عدة مناصب قيادية وأنجز شيئًا يستحق الاحترام”.