لا أرفع شعار الخيانة ، وكتابتي فاضحة للمرأة والمجتمع وليس للرجل فقط الروائية علوية صبح هي أكثر الروائيات العربيات حيادا في سرد ما يحدث بين الرجل والمرأة . لذا تأتي حكايات روايتها "اسمه الغرام " ملونة بالوضوح الصادم ، فهي لا تناور ولا تراوغ ما يحدث في الحياة . لذا تسمي الأشياء بأسمائها . ولا تغريها الجرأة فتضخ في النص ما لا تحتاجه الشخصيات . فهي تطرق باب الحسية بكل أطيافها وتنأى عن البعد الجمالي أو الاغوائي في تدوين تلك الحالة . لذا تعول على قارئ لا ينساق إلى لذة الحكي بل إلى قارئ يتبصر في تلك اللذة المسرودة . وفي هذا الحوار لثقافة اليوم نتعرف على تفاصيل رؤيتها عن روايتها " اسمه الغرام " . - الرواية تحمل عنوان " اسمه الغرام " وقائمة على تمجيد غرام البطلين، نهلا وهاني، لكن هذا التمجيد يبدو فضفاضاً على حكايتهما العادية. بل إن الغرام يتوارى في ظل الحكايات المتناثرة في النص .وسؤالي هل في روايتك شيء اسمه الغرام ؟ = من قال إن حكاية عادية في الواقع ليست جاذبة لكتابة غير عادية من خلال السرديات والمحكيات، وما تكشفانه من عوالم خبيئة أو منسية في الأدب؟ أعتقد أنه في «اسمه الغرام» كلام مختلف عن الغرام. هذا ما أفترضه. كل كلام نهلا عن هذا الغرام الذي تسميه عادياً كان خارج النمط. النمطية هي العادية. ولطالما وددت أن أكتب رؤياي عبر بطلاتي غير المنمطات. أعتقد أن «اسمه الغرام» هي كتابة «أنا» الأنوثة وكتابة الجسد واستكشاف للغة المرأة في الغرام، والعلاقة بالجسد وبالآخر. هذه اللغة المقصية في الأدب الذكوري، الحافل باستيهامات الرجل حول المرأة وجسدها وأحاسيسها، هذا الرجل الذي يفترض أنه يعبّر عن المرأة لأنه مالكها وناطق بلسانها. وبالطبع تماهت المرأة بصورتها في هذا الأدب وأعادت إنتاجها في أدبها. أفترض أن نهلا حدّثت عن علاقة الأنثى بجسدها في الغرام بكلام غير نمطي. كان من غير الطبيعي أن تحب نهلا هاني انطلاقاً من استيهامات وحيث الرغبة هي المحرّك. وفي علاقة الحب والغرام أو الشغف أو سمّه ما شئت، ثمة أشياء لا تفسير لها. وإذا كانت نهلا قد انجذبت الى هاني بدافع الرغبة، فهي أشارت الى أسباب أخرى. فنهلا التي لا تصدق إلا جسدها وأحاسيسها اكتشفتهما مع هاني. وهذه المعرفة تتحقق لأنها شريك وليس فقط منفعلة. كلاهما فاعل في علاقته بالآخر. المعرفة لا تتمّ بلا شريك حقيقي، و«أنا» الأنوثة تتحقق هنا. وجسد نهلا كان يتعلّم في الحب كل يوم شيئاً جديداً مع الزمن أكان في الغرام أم الأمومة كأنثى وكإنسانة. ثم إن نهلا تابعت من خلال علاقتها بهاني ما بدأته أصلاً من خلال علاقتها بالطبيعة. مع هاني كان جسدها حراً، وفي الطبيعة كذلك. أعتقد أن كل كلام نهلا عن الغرام وسيرة الجسد كان كسراً للكتابة الذكورية حول جسد المرأة كما أشار النقّاد. ثم إذا خُيّل للبعض أن العلاقة عادية، فإن استعادة مثل هذه العلاقة في سن متأخرة نسبياً والتعبير عنها، فالحالة في حد ذاتها ليست عادية. لقد احتفى العالم العربي والعالم برواية ماركيز الرائعة «الحب في زمن الكوليرا» بين عاشقين تجاوزا الكهولة، وفيها نقرأ استيهامات البطل أثناء اللقاء، لكننا لا نعرف استيهامات البطلة ولا كيف عاشت التجربة. على كلٍّ، لم يكن هاجس ماركيز بالطبع الحديث عن تجربة الحب في هذا الأمر. في «اسمه الغرام» حدثتنا نهلا في لقائها الأخير بهاني قبل اختفائها عن عيشها للتجربة. ثم إنني أعتقد أن ما بين هاني ونهلا ليس فقط تمجيداً للغرام وإنما تمجيد للحياة. - البطلة نهلا تنحدر من أسرة ريفية ، كذلك صديقات الضيعة اللواتي كبرن وانتقلن للعيش في بيروت، وحصلن على شهادات عالية ، وعرفن مصائر مختلفة، سعاد وعزيزة ونادين وهدى، ونكتشف خلال السرد أن أزمة نهلا وصديقاتها لم تحل لا بالانتقال إلى المدينة ولا بالحصول على الشهادات . هل هذا يعني أن المرأة غير قادرة على التعاطي الجيد مع الحياة إلا بوجود الرجل الجيد ؟ = لست أدري. أنا لا أكتب بهدف رسالة ما، ولست واعظة ولا تبشيرية، لكن العمل الروائي يقدم بالطبع رؤية وعالماً وواقعاً وأسئلة يمكن استنباطها. أنا أكتب لأعبّر عن ذاتي وعن عوالم نساء أبحر فيها لأكتشف دواخلهن ولغاتهن وذاكرتهن. وربما تكون كتابتي فاضحة للمرأة والمجتمع وليس للرجل فقط. وأعتقد أن ما تقوله يعني أيضاً أنه لا يمكن التعاطي مع ذواتنا ومع الآخر بمعزل عن التعاطي الجيد مع الحياة، وبمعزل عن حرية حقيقية تحول دون كبح إنسانية الإنسان. - "اسمه الغرام" لم تخض في الحب والغرام والجنس فقط. بل خاضت أيضاً في الصداقة بأبهي ما يمكن للصداقة أن تكون. خاضت في نقاش أدبي. خاضت في الازدواجية التي يعانيها المثقف العربي وفي الكبت العاطفي والفكري. خاضت في الجسد وليس فقط الجنس. وخاضت في العمر وخاصةً في منتصفه. إلا تعتقدين أن حشد كل هذه القضايا لا يعد ميزة للنص بقدر يدخله في حالة من الشتات ؟ = حين تقارب الرواية الحياة لا بد وأن تطرح إشكالات كثيرة، والرواية بالنسبة إليّ عالم واسع مليء بالتناقضات والصراعات والتجاذبات، لكن المهم هو البنائية المتماسكة بالطبع. والرواية تستجيب دائماً لكل الأفكار التي تأتينا حين نكون مستغرقين في ملاحقة حيوات الأبطال وخلقها من دم ولحم. يُقلق الكاتب التعرّف الى حيوات الأبطال والى عوالمهم وإضاءة خباياهم وعلاقاتهم ولملمة نثار ذكرياتهم وكشف المكتوم في أعماقهم، لكنه لا يفعل ذلك انطلاقاً من أفكار مسبقة. الكتابة تستدرج الأفكار ولكن ليس بشكل خطاب جاهز، وإنما من خلال ترك الشخصيات تتحرّك في الحياة لتقرّبها الرواية وتصير قريبة منها. الرواية تتشكّل من مجموع أفكار تستدرجنا بقدر ما نستدرجها وهي في واقع الأمر ما يشكّل الرواية. أعتقد أن «اسمه الغرام» تستكشف أنا الأنثى العالية، ويعلو فيها الحس الأنثوي إنما ليحدّث عن العالم، عن علاقته بالعالم، بالزمن، بالعمر، بكل مراحله ولا سيما في منتصف العمر، لا ليقول نفسه، بل ليقول توقه للانغماس مع الآخر، لاكتشافه، للتعرّف إليه أكثر. ما معنى أن تكون الرواية تعي جسدها وقادرة على الكلام عنه؟ ما معنى أن يكون الواحد وحده، أي من دون الآخر، حتى ولو كان معه؟ كيف لنهلا أن تكتشف أحاسيسها ومشاعرها في الحب والغرام والجنس لو لم يكن الآخر معترفاً بالجسد، أو لم يكتشفا معاً تعبيرات الرغبة ويتعلّما معاً أسرار جسديهما حتى في منتصف العمر؟ وكيف لنهلا أن تكتشف عالمها ومشاعرها في الرغبة والغرام وكل ما ذكرت لو لم يكن في عالمها أمها وأبوها وسعاد ونادين وجواد وكل الشخصيات.... أي ما يشكّل كل الآخرين. ربما تكون «اسمه الغرام» حدّثت عن تجربة الأنثى بكل وجوه الأنوثة، من اكتشافها وعيشها الى محوها أو انحرافها، لأن لنهلا رؤية نسجتها على نحو مختلف مما نسجته روايات. حدّثت عن علاقة الأنثى بجسدها، بالجنس، بالحب، بالشريك الذي يساعد في اكتشاف الجسد أو ذلك الذي يمحوه أو يقمعه. نعم، كان كلام نهلا في كل ذلك خارج النمط، كما ذكرت سابقاً. لذلك فإن هواجس الرواية لا تعني شتاتاً بقدر ما تُدخل النص في الحياة، التي هي هاجس كل عمل روائي. ولا تعني شتاتاً ذلك أن الرواية هي مرايا لأجساد نساء دفعتها الى خيارات عدة. - أنتِ منحازة الى الحكايا، ولكن ألا تعتقدين أن هذا الافتتان بالحكاية يجعل النص مأسوراً لشهوة الحكي حتى وإن علا شأن التقنية في الكتابة؟ ألا يأخذ هذا الانحياز الحكواتي ، إلى إنتاج نصّ مترهل بعض الشيء وحكايات فائضة عن الحاجة. ما رأيك ؟ = من قال إن الحكي لا ينتج تقنيات سردية عالية تجعل الحكي وسيلة لا غاية؟ الكتابة هي ما جعلتني أهتدي الى أسلوبي وهويتي. لم أفكر أبداً في أساليب نمطية حول الكتابة، بل انسقت خلال الكتابة لاستكشاف عالمي وذاتي. كتابتي تحمل قلقي وتحاول أن تهتدي الى عالمي وأن تعبّر عن هذا القلق. وسيبقى قلقي الأكبر هو كيف أكتب مهما تعددت رواياتي، فأنا لست مع أهل اليقين لا الكتابي ولا الروائي ولا الحياتي. لقد ذهبت الى البوح الحر للشخصيات لأستكشف عوالم منسية. وهناك دائماً بنائية توليدية شهرزادية على ما أعتقد. أنا لا أحاول أن أبني عالماً أرد له قالباً جاهزاً أسكب فيه ما أود قوله، لأن التقنية يجب أن تكون من روح النص ولحمه. ربما أنا مفتونة بالحكي ومنحازة الى الحكايا انحيازي الى سرديات تراثنا، لكن من دون أن أنقطع عن تقنيات الفن الروائي المعاصر. ولأنني مفتونة بالحكي أجد نفسي أدلف من باب الى باب، فتتوالد الحكايا من بعضها البعض، وتتنوّع لغة السرد بشكل عفوي وأنا أحكي، وكذلك لغة الشخصيات. وبناء هذا العالم على ما يشبه الجدارية ليس سهلاً، وأحسب أن الحكايا تصير أشبه بمنمنمات في لوحة شرقية كبيرة محكمة البناء. وأنا أعترف أن انحيازي الى الحكايا هو انحياز الى التعرية الفنية وتعرية الشخصيات التي أتقمّصها لتتعدد اللغات بشكل عفوي وحيّ. - هل وراء تنوع لغة السرد من الإخبار اليومي والعادي إلى الشعري محاولة للإبقاء على القارئ خارج نطاق حالة الملل أم هي أنه خيار فني فرضته حالة النص ؟ = ربما هذا خيار فني تفرضه حالة النص كما تقول. الخيار الفني هو الخيار الى بناء نص من لحم ودم، ذلك هو هاجس أي عمل إبداعي. ثم إن تنوّع لغة السرد ليس اختراقاً للحياة فحسب، وإنما دخول في الآخر (الشخصيات) الذي لا يستقيم النص بدونه، كما يزيح لغة الكاتب الاستبدادية وسلطته على اللغة والشخصيات، بما لا يقتل روح النص وحياته. إن تنوّع السرد وتعدد الأصوات هاجسان أساسيان عندي. وأجد نفسي وأنا أتنقّل في السرد بعفوية ويسر أمازج الفصحى بالعامية، الملهاة بالمأساة، الشعري بالعادي وغير ذلك من تنوّع السرد. وأعتقد أن صدق الكاتب هو ما يجلب الحياة للتقنية. - في الصفحة الأولى: «قومي يا عمّي اكتبي وخلّصي. شو بدك ياني موت قبل ما تكتبي، حتى تكتبي على ذوقك وتغيري بالقصة متل ما بدك». وفي نهاية الرواية، تطلب نهلا عدم تغيّر مصيرها مثلما فعلتِ في رواية «دنيا»، وتقول : «اكتبي يا علوية اكتبي. اكتبي الغرام. وصدقيني إنك حين تروين عن رغبتي فسوف تحكين ما هو حقيقي لا ما هو روائي». هذه التقنية التي تقيم صلة بين البطلة والمؤلفة والتي تكررت في رواياتك، هل تجدينها ثيمة مغرية بالاستمرار فيها؟ = إنها تيمة تغريني كما تقول. لكن تقنياتها ودلالاتها تتنوّع في رواياتي، مريم في «مريم الحكايا» أخذت الكلام عني فيما بدوت عاجزة عن الكتابة. والكتابة هي ما أعادني الى الحياة، هي تصنع حياة الكاتب وذاكرته. وبالطبع تنصّرت فيها للغة الحكي ومساءلة المكتوب، أما في «دنيا»، فالكاتبة تكتب ما تراه في منامات الأبطال. أي انتقلت فيها من «تجربة» الحكي في مريم الى تجربة الكتابة في «دنيا». والكتابة بدت في «دنيا» أشبه بالمنام، وفي هذه الرواية لا نعرف من يكتب، الكاتبة أم الأبطال؟ أي أنني طرحت فيها موضوع الكتابة. أما في «اسمه الغرام» فالكتابة هي رحلة استكشاف. لقد كتبت بعدما قالت لي نهلا: «اكتبي بتستهدي». ولنهلا قصاصاتها وأوراقها، وكذلك سعاد. وربما تيمة الكتابة تشغلني لأنني مهجوسة بالذاكرة. - في اسمه الغرام حكايات نساء وحكايات أجساد تمر بمعمودية «الخيانة» لكي تكتشف أنوثتها الفعلية. لا تكترث الرواية لإباحة الخيانة أو حظرها بالطبع. هل نقول إن الرواية ترفع شعار لا تفنى وأنت مخلصاً ؟ = لا أبداً، لا ترفع هذا الشعار ولا غيره، وإن كنت لم أقارب موضوع الخيانة من باب أخلاقي، فهاجسي لم يكن هذا الموضوع. نهلا لم تكتشف جسدها لأنها خانت بل لأن علاقتها بهاني حرة ومليئة بالشغف الذي لم ينته. هي كانت حقيقية في مشاعرها، والغرام، واكتشاف الجسد قد يحدث مع شريك بالطبع. وحين خانت سعاد لم تكتشف جسدها وإنما قهرها ووجعها. سعاد ذهبت الى ما هو سفلي ومبتذل في لحظة انهيار بسبب القهر. - في الرواية ثمة حوارات ومونولوجات عن فكرة الغرام المتأخر ، لكنّ أغلبها من شائع الكلام عن الجسد والرغبة في خريف العمر، لكن القارئ المتطلب يتساءل عن قلة التفلسف الداخلي للشخصيات. ما هو رأيك ؟ = أنا لا أحب أن أدافع عن عملي، ولكل قارئ ذائقة، ويحق له الاستنتاج الذي يريده. لكن أعتقد أن ما حكته نهلا عن تجربة الرغبة والجسد وما حكته عن تجارب الشخصيات الأخرى لم يكن كلاماً عادياً، فالعادي كما قلت لك هو الكتابة النمطية. ثم على حد علمي أعتقد أن الموضوع جديد والشخصيات عبّرت عن حالها بلغتها، وهذا ما يخلق في الرواية تعدد أصوات. لست من نوع الروائي العليم والعارف الذي يلبس الشخصيات لغته ويصادرها بشكل غير مقنع. الإقناع جزء أساسي في كل عمل أدبي. ثم أعتقد أن هناك أحاسيس ومونولوغات داخلية وتأملات في الموت والعمر والرغبة والصداقة وأشياء أخرى كثيرة، إلا أن اللغة بالطبع لا تلبس تعبيرات فلسفية نظرية أو ذهنية خارج منطق الشخصية. فالأفكار الذهنية والإيديولوجيا والخطابات لا تصنع عملاً روائياً من لحم ودم. - شخصية جواد في تناقضها الفاضح وفي إعلاء شأن ذكوريته ، عندما وصل إلى مرحلة العجز الجنسي تبدلت شخصيته وصار كائنا منهارا . لكن هذه الشخصية كان وضوحها معلن ومواقفها فاضحة . هل أنتِ ميالة لكتابة النماذج ذات الوضوح التام في الحياة ؟ = لا أعتقد أن جواد أو غيره في الرواية شخصيات لها وضوحها التام في الحياة. ليس في الحياة أصلاً وضوح تام، هناك دائماً التباسات وحالات صراعية وتناقضات. ثم أنا لا أنطلق من وضوح تام لعالم الشخصيات سابق على الكتابة. الكتابة تستكشف ذاتها وتستكشف الحياة وتناقضاتها ولا معنى للكتابة بدون كشف واختراق للذوات للتعبير عنها. ربما ما تراه في جواد من تناقض فاضح أو وضوح له هو نتيجة للتبئير والحفر في الشخصية وما آلت إليه من مصير. الكتابة الروائية ليست أجوبة هاجسها الوضوح، إنها عمل إبداعي هاجسه المعرفة والمجابهة وما يرفعه من أسئلة أحياناً تكون صادمة الى حدّ الوجع والسخرية أيضاً. - في الرواية لا يوجد خطاباً نضاليّاً يدبّج للنسوية. لكن ذلك النضال موجود في حيِّز الحكي والسرد. روائية «اسمه الغرام» تتحقق في «نسائيتها» الطالعة من الحياة اليومية الحقيقية، والممرَّغة في وحول التجربة وفظاظة الواقع. هل هذا يعني انحيازك إلى القارئ العادي والجمهور العريض ؟ = إذا كان انحيازي الى الحياة في الكتابة وليس الى الأيديولوجيا والخطابات انحيازاً الى القارئ العادي والجمهور فلمَ لا؟ لكني بالتأكيد لا أفكر أثناء الكتابة بالقارئ، أنحاز فقط الى التعبير عن ذاتي بصدق وحقيقية من دون أن أرتهن لا الى القارئ، ولا الى الأفكار والخطابات المسبقة. بمعنى آخر إنه انحياز الى الفن والى التعرية الفنية كما تعرية الواقع والشخصيات. - سعاد، الأستاذة الجامعية المتزوجة بأستاذ مثلها، تستسلم للصمت بعد تجربة جنسية مرتجلة مع صاحب محل لبيع الثياب المستعملة وتعتاد لعب دور المستمعة المخلصة . هل تعتقدين أن هذه الشخصية هي النموذج الأكثر تعقيدا في الرواية كما بدا لي؟ = سؤالك يسعدني. فسعاد شخصية غنية، كانت تسحرني وتجذبني للكتابة كلما كنت أذهب في الرواية بعيداً. هي شخصية مركّبة ومعقدة بالطبع. هي أستاذة جامعية في الفلسفة، لكنها صارت تعيش الحياة من خلال صديقتها نهلا. وهي مقموعة من زوجها وصمتها مليء بالكلام. بعض القراءات النقدية رأت فيها الوجه الآخر لنهلا. لا أعرف، ربما هذا كان صحيحاً وربما لا. لكل له قراءته. ولولا أهميتها في الرواية لما أخذت الكلام من نهلا بعد غيابها، وكانت شريكة في السرد. هي باحت بأشياء كثيرة في الرواية. وكانت شخصية كاشفة تمارت بها الكثيرات من القارئات خاصة الصامتات والمعنّفات من الآخر. - في رواية الحبيب السالمي " عشاق بيّة " اخذ الكبار في سرده إلى عالم متنوع من براءة الكبار – كان الجنس كدلالة ذبول مرحلة عمرية حاضر بنسبة ضئيلة . وفي رواية أوكي مع السلامة لرشيد الضعيف كانت الأزمة عاطفية تفوق الأزمة الجنسية لهذا العمر المتأخر . روايتك كرست العجز الجسدي ولم تلتفت إلى الأوجاع المصاحبة لذلك العمر . في رأيك كيف تنظرين لكتابة كبار السن سرديا ؟ = لا أعرف كيف رأيت أنها لم تلتفت الى الأوجاع المصاحبة للتقدم في العمر، أكانت أوجاعاً نفسية أم جسدية أم وجودية، ثم أي وجع تريد مقاربته أكثر من ألم هاني لحظة العجز؟ وأي أوجاع أكثر من اختفاء نهلا، وألم النسيان والألزهايمر والاختفاء؟ وإلا يُعتبر اختفاؤها اختفاء للجسد والذاكرة بل وحتى ذاكرة جسد هاني؟ إن تجربة العجز الجنسي جرى تجنّبها في الكتابة الذكورية. وأنا هنا أقاربها من وجهة أحاسيس المرأة وعلاقتها بجسد الآخر. وأنا لم أطرح فقط هذا الموضوع وإنما طرحت مسألة الرغبة وعيش الجسد وخصوصاً في منتصف العمر. لقد رأيت أن تمجيد الغرام في هذه السن هو تمجيد للحياة. حين ترى المرأة الإنسان في الرجل على رغم تحولاته الجسدية وضمور فحولته أو رجولته أو عنّة عابرة أو ربما دائمة، وحين ترى فيه قيمة إنسانية في حدّ ذاتها ولا يؤدي ذلك الى التقليل من عشقها له ولو بذرة، فهذا في رأيي منتهى الحب. هذا يطلع الرغبة من سفليتها ومن ابتذالها ويعلي كثيراً قيمة العلاقة. أنا كتبت عن تجربة الرغبة والعلاقة في كل مراحلها العمرية وخصوصاً في منتصف العمر، ولم أكتب فقط عن العجز الجنسي. وقلت ما قلت في «اسمه الغرام» عن التقدم في العمر، ولكن من باب تمجيد الحياة والرغبة وإنسانية الإنسان، والغرام الذي يقاوم الموت والأوجاع. لكن في المقابل أيضاً يبقى الموت والاختفاء ورذيلة الزمن هي أوجه أخرى للتقدم في السن. إلا أن الحياة تبقى سر الجاذبية الأكبر للكتابة. لذلك لم أرد في نهاية الرواية إلا أن أعيد نهلا الى الحياة، ذلك أنها شخصية استحواذية وهي من قادتني الى مصيرها لكثرة ما هي مليئة بالحياة. وهي عادت أيضاً لأن الحب لا يموت ولأن قصة حبها انكتبت ولأن الكتابة بحدّ ذاتها مواجهة للموت.