لو كان باستطاعة المرء شراء ما يفتقد إليه وتعويض جوانب النقص والقصور في حياته وشخصيته لخلت الأرض من التُعساء والمحرومين، ولعاش جميع الناس في أمن وسعادة لا ينغصهما أي شيء، وربما سيكون الأثرياء هم الأوفر حظاً للعيش في نعيم وراحة بال لقدرتهم على توفير جميع ما ينقصهم بواسطة أموالهم، لكن حكمة الله جل وعلا قضت بأن لا يحدث هذا الأمر، وأن تظل هناك أشياء لا تُباع ولا تُشترى يهبها الله لمن يشاء ويحرم من يشاء منها. وقديماً عبر الشاعر العربي عن استعداده لمقايضة (كبده) المقروحة بفعل الشوق بكبد صحيحة، لكن الناس لم يطاوعوه على ذلك، فأعضاء الإنسان ثمينة ولا تُقدر بثمن، يقول ابن معصوم المدني: ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني بها كبداً ليست بذات قروح أباها عليَّ الناس لا يشترونها ومن يشتري ذا علةٍ بصحيحِ؟ وكذلك يعرض عبدالله بن دويرج رحمه الله حظه السيئ للبيع معرباً عن استعداده لزيادة من يقبل بهذا العرض: يا من يبادلني بحظي وأزيده من جاز له بالزود ما فيه ردّه ومن بين تلك الأشياء التي لا يمكن بيعها أو شراؤها راحة البال أو الطمأنينة التي تُعد إحدى أبرز النعم التي تفضل الله بها على عباده، ففي هذا العصر الذي كثُرت فيه المشاغل والمشاكل يكون الإنسان أحوج ما يكون إلى أوقاتٍ قصيرة يتمتع فيها براحة البال وصفاء الذهن، يقول أحد الشعراء: يا جزا لو راحة البال تشرى بالقروش يشتريها الرجل لو بات ما يلقى العشا وكذلك يرى المبدع سداح العتيبي بأن راحة البال لو كانت سلعة تُعرض لما رأينا انتشار الكثير من العلل والأمراض النفسية بين كثيرٍ من بني البشر: يا رب عفوك وأنا للعفو تواقي كم لي وقلبي يفوح ولا برد غلّه لو راحة البال تعرض وسط الأسواقي ما كان نص الخلايق صابها خلّه ويُعبر الأمير خالد الفيصل في إحدى غزلياته الرائعة عن استعداده التام للدفع بسخاء لمن يمتلك (الصبر) ويملك الاستعداد لبيعه: يقول الأمير خالد الفيصل: يا من يبيع الصبر يا ناس وأشري محتاج كل الصبر واصخي بالأقيام يا مالك أمري وش نواياك بأمري إرحم خفوقٍ عن هوى غيركم صام ليست هذه الأشياء فقط هي ما يستعصي على البيع والشراء، فهناك الكثير من الأشياء المعنوية والقيم كالصحة والسعادة والشرف وغيرها التي لا يُمكن أن تُعامل كالسلع الاستهلاكية التي يستطيع الإنسان إيجادها والتعامل معها بالبيع والشراء. أخيراً يقول أمل دنقل: لا تُصالح/ ولو منحوك الذهب أتُرى حين أفقأُ عينيك، ثم أُثبِّتُ جوهرتين مكانهما .. هل ترى؟ هي أشياءُ لا تُشترى !