تحويل العمل الروائي للسينما، يواجه صعوبات عدة، أبرزها معالجة السرد، وبالتحديد في المونولوجات النفسية، لكنها تختصر الزمن بشكل فعال للغاية، وبخاصة في وصف المكان ورسم ملامح الشخصية وتفاعلها العاطفي والاجتماعي مع غيرها. في هذا الفيلم نجد أن تحدي تحويل الرواية كان مغايراًَ وصعباً، وهو ما تحدث عنه البرازيلي فرناندو ميريلس مخرج الفيلم والذي اشتهر بعمله الذي ترشح عنه لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2003م "مدينة الإله - Cidade de Deu". يقول ميريلس: "عندما تخرج فيلماً، كل شيء مرتبط بوجهة النظر، الرؤية. عندما تكون عندك شخصيتان في الحوار، يكون التعبير عن المشاعر عن طريق نظرهم لبعضهما البعض من خلال العيون، وبخاصة في القطع والتحرير، أنت تقوم بالقطع عادة مع انتهاء نظرة الشخصية. الفيلم عبارة عن وجهة النظر االبصرية، وفي هذا الفيلم ليس هناك شيء من ذلك". فرناندو ميريلس في رواية البرتغالي جوزيه ساراماغو، نتابع سكان مدينة مجهولة الاسم، يقعون ضحية للعمى بدون أي سبب على الأقل من الناحية الطبية، فجأة يصبحون في البياض المطلق بخلاف ما عرف عن العمى من ظلمة، ومع هذا الانتشار السريع الذي يلتهم سكان المدينة بكل من فيها، يسقط النظام الاجتماعي والأخلاقي، حيث يستمر ساراماغو في نقد السلوك البشري بسوط جلاد أكثر منه بقلم روائي، مركزاً على الأحداث من خلال مجموعة من الأشخاص الذين اكتسحهم العمى أولاً، والذين عرفوا بعضهم ولو بلمحة عاجلة في عيادة طبيب العيون، الذي من خلال عيادته ينتشر المرض لكل البلد، لكن العجيب أن زوجته تظل مبصرة، لتظل هي الشاهد الوحيد على الأحداث سواء في الملجأ القذر والمزدحم، أو المدينة المنكوبة فيما بعد. تحويل ميريلس إلى السينما، أخلص للسلوك الذي نقده ساراماغو، جوزيه ساراماغو حيث حرر العمى أخلاقيات الإنسان التي سترتها الحضارة المبصرة، "التحيز، الأنانية، العنف، اللامبالاة عن عمد"، لكنه تلاعب في تنويع الأعراق لكي يكسب جمهوراً أكبر كعادة هوليوود، كما أنه استعان بلوحات عالجت قضية العمى الجماعي مثل لوحة "مَثَل العمى" للهولندي بيتر برويغيل، أما في الحكاية، فقد ركز على رواية زوجة الطبيب الصحيحة، وحكايات الرجل المسن ذي العين المعصوبة، ثم المزج بين الروايتين، وهو ما رفع مستوى الفيلم الذي كان ينوء بحمل ثقيل، عمل روائي من طراز مختلف، حقق هو وأعمال أخرى مثل سنة موت ريكاردو ريس، الشهرة التي يستحقها جوزيه ساراماغو الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1998م.