نعيش هذه الأيام تظاهرة ثقافية هي الأولى من نوعها في العالم الإسلامي انطلقت أعمالها من مدينة الرياض وتوالت الفعاليات في باقي المناطق والمدن، لتحيي فن العمارة الإسلامية الذي تسعى المملكة للحفاظ عليه من خلال إطلاق المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار، والكثير يعلم أن معظم مناطق المملكة تتميز بألوان متعددة من الفن المعماري. الأشكال الهندسية تثير دهشة واستغراب المصممين جمال الطبيعة جبال فيفاء جنوب شرق منطقة جازان التي تتميز بتكامل مقومات الجذب السياحي على قمم سلسلة تلك الجبال، ويعد الفن المعماري القديم أحد أهم تلك المقومات السياحية التي تتفرد فيه جبال فيفاء، وتعتبر "البيوت الاسطوانية" التي أهتم ببنائها القدماء من أبناء المنطقة، وتفننوا في أشكالها وبرعوا في تصميم أدوارها تراثا معماريا فريدا لا يوجد في أي مكان آخر، بالإضافة إلى جمال تصميمها أن لكل منزل منها اسمه، كما أن لكل جزء منه اسم حتى الحجارة المستخدمة في البناء لها أسماؤها، وكذلك الأخشاب التي منها يتم رفع سقوف تلك المنازل، وقد اهتم القدماء في اختيار مواقع بناء هذه المنازل للحماية من الأخطار الطبيعية كالسيول والانهيارات الأرضية والحماية من الأخطار الحربية، فيكون المنزل في هذه المواقع ذا إطلالة على ما حوله ويعود السبب في ذلك إلى انتشار الفتن والقتل في تلك الأزمان قبل توحيد المملكة واستتباب الأمن. المنزل الاسطواني انفردت به جبال فيفاء فقط منازل اسطوانية ويقول الشيخ "علي الفيفي": إن المنازل كانت لها تصميم متميز في السابق، فقديماً كانوا يفضلون المنازل الأسطوانية لحصانتها وقوتها وتحملها للعواصف، ويسمون المنازل الأسطوانية الشكل "مفتولاً" ويخصون نوعاً منها بمزيد من العناية والتحصين ويسمونه "علياً" ويرفعونه لعدة أدوار ويكون على ربوة أو قمة جبل تطل على المزارع، ومداخل البقعة يستعملونه برجاً للحراسة ومستودعاً للأسلحة والمدخرات، وربما أحيط بفناء المنزل "الدارة" والخلوف المخصصة للسكن، وإذا أعد إعداداً حربياً سموه "حصناً" كحصن العبسية وحصن الرميح، وإذا تكاثرت البيوت الملتصقة به سموها "قرية". منازل تثير الدهشة ويقول "م.يحيى الفيفي": تميزت العمارة التقليدية سواء في البيت الجبلي أو الصحراوي بأنه يتم إنشاؤها من البيئة لتخدم البيئة فالبيت الجبلي لا زال هو الأمثل للبيئة الجبلية، وهو بطبيعة الحال مصمم لخدمة ساكنيه من جميع النواحي كالطقس والنواحي الأمنية والاجتماعية، وقد سبق لي تقديم دراسة تحليلية عن البيت في فيفاء كانت مثارا ًلدهشة واستغراب الكثير من المصممين لدرجة أنه اعتبرها البعض شيئا من المبالغة، مما اضطرني لإثبات ذلك بالصور والاستشهاد بمن زارها من المصممين، وخصوصا ًعندما تناولت الدراسة الأحواض العطرية في شرفات تلك المنازل، ومعالجة الخصوصية والتهوية والتكيف الحراري، نتيجة استخدام الحجر الطبيعي في البناء، والذي يعمل كمنظم حراري لم تستطع أنظمة العزل المستخدمة في الوقت الحالي الوصول لها، بالإضافة إلى النواحي الجمالية التي لم يتم إغفالها في هذه البيوت كتزيين أعلى البيت، وحول النوافذ ب"المرو" أو ما يعرف بالاسم العلمي بحجر "الكوارتز". إن الطراز المعماري في فيفاء من الأمور التي ميزتها فهذه المنازل الحجرية التي تتميز بشكلها الاسطواني العجيب ذات دقة عالية في الهندسة المعمارية، فمعظم المناطق المجاورة في تهامة، وعسير، واليمن، اعتمدت على الشكل المربع في حين أن فيفاء فقط اعتمدت هذا الطراز العجيب.