** يداخلني شعور متزايد بالإعجاب الشديد بالدور السياسي البارز الذي تقوم به تركيا لمواجهة قضايا الإقليم الملتهبة.. ** فهي موجودة على خط المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. ** وكان لها من قبل دور نشط في إقامة جسور للتفاوض غير المباشر بين سورية وإسرائيل تمهيداً للانتقال – بعد ذلك إلى مرحلة متقدمة أخرى.. ** كما انها كانت موجودة على خط أزمة البرنامج النووي الإيراني.. عبر تعاملها مع طرفيْ الصراع..ومع دول مجلس الأمن الدائمة العضوية زائداً ألمانيا.. وكذلك مع الطرف الإيراني من جهة ثانية.. وهي الاتصالات التي أثمرت عن توقيع الاتفاقية الثلاثية بمشاركة البرازيل أخيراً.. ** وهي أيضاً.. طرف حي ومتحرك على خط المواجهة بين الحكومة الصومالية الشرعية وبين الخارجين على النظام.. وسط تأكيدات تركية بأنها لن تترك الصومال نهباً للفوضى.. ** ثم ماذا بعد ؟! ** إن تركيا موجودة أيضا على خطوط ساخنة أخرى.. سواء في منطقة البلقان .. أو خلف بعض نزاعات القارة الافريقية.. أو على خطوط التماس بين إيران وبين مختلف الجيران العرب وغير العرب أيضاً.. ** تفعل هذا الدبلوماسية التركية بتفوق.. جنباً إلى جنب جهود حكومتها المضنية في الداخل لإدخال تعديلات جوهرية على الدستور.. وضبط توازنات المجتمع التركي.. وزيادة معدل حركة التنمية والتطوير الشاملين في مختلف أرجاء البلاد.. ** ويحدث هذا في الوقت الذي تعمل فيه ليل نهار على دخول السوق الأوربية المشتركة.. واللحاق بركب دول حلف الأطلسي.. وتأكيد هويتها الأورو - آسيوية .. ** والأجمل من كل هذا.. ** أن الأتراك لا يثيرون حساسية أحد بتحركاتهم النشطة تلك .. بل على العكس من ذلك.. ** فقد أصبح الأتراك وسيطاً مقبولاً.. بل ومرغوباً.. ومطلوباً من قبل جميع الفرقاء في المنطقة والعالم.. ** أليست هذه حالة خاصة.. وغير مسبوقة.. في عالم ندر فيه وجود طرف واحد.. في وقت تغرق فيه دبلوماسية بعض الدول في (شبر موية) – كما يقولون -.. بالرغم من توفر الإمكانات لديها للقيام بما هو أكثر مما تقوم به تركيا.. وتنجح فيه.. ** ولا شك ان النجاحات التركية تؤكد ان هناك رؤية.. وهناك قدرات وأدوات تركية متميزة تمكنها من تحقيق نجاحات كبيرة.. تنال معها إعجاب وتقدير دول العالم وشعوبه.. وتغير بها صورتها التاريخية المنقرضة وتحل محلها صورة ذهنية جديدة.. ومختلفة.. هي محل احترام الجميع وتقديرهم.. ** ولا أستبعد ان تكون الحالة التركية محل دراسة معمقة من قبل مراكز الأبحاث والدراسات الدبلوماسية وأجهزة الاستعلامات والمخابرات.. والساسة.. فقد تكتشف مفاتيح وأسراراً قابلة للتطبيق في أماكن أخرى من العالم.. وفي منطقتنا بصورة أكثر تحديداً.. ** ولن أندهش غداً.. اذا فشل المبعوث الأمريكي لحل قضية الشرق الأوسط جورج ميتشل في تحقيق تقدم ملموس في العملية السلمية.. وجاء الساحر التركي ليفك رموز وطلاسم العقلية الإسرائيلية التي أجهضت جهود الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق سلام في المنطقة منذ وزير خارجية الرئيس (دوايت أيزنهاور) السيد (جون فوستر دالاس) وحتى الوزيرة الحالية (هيلاري كلينتون) .. وينهي مسلسل الحروب ومآسي التهجير .. وقصص إلغاء الهوية الفلسطينية الذي استمر منذ العام (1948م) وحتى اليوم.. وتنجح كذلك في تحقيق مشروع الدولتين.. الفلسطينية والإسرائيلية.. وتنتقل بعد ذلك إلى الجبهة السورية - الإسرائيلية.. وتعيد الجولان العربية.. وترد شبعا اللبنانية .. وتنهي حالة الحرب بين العرب وإسرائيل وتنقل المنطقة إلى مرحلة تاريخية جديدة تقوم على التعايش بين الجميع.. ** أرجوكم .. لا تعتبروني أبالغ في خيالاتي هذه .. أو في سخريتي من عجز الكبار.. وحيرة الصغار.. وعلينا بدلاً من ذلك ان نسأل أنفسنا .. كيف نجحت تركيا في ما فشلت فيه القوى الكبرى؟ وظل العالم كله يتفرج على مآسي المنطقة وانهياراتها.. وعبثية بعض الساسة .. والمتاجرين بقضاياها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. *** ضمير مستتر: **(للتاريخ كلمة فاصلة تقال حول من يخلصون لمبادئهم.. ومن يتكسبون من ورائها).