شكل القرار التاريخي لخادم الحرمين الشريفين بمحاكمة المسؤولين عن كارثة سيول جدة نقلة نوعية على طريق مكافحة الفساد بشقيه المالي والإداري، في وطننا الحبيب، وترك أثراً ايجابياً في نفوس الجميع، ورسخ الثقة بالخطوات الإصلاحية والتطويرية التي بدأها خادم الحرمين الشريفين منذ سنوات، التي ساهمت بشكل كبير في تعزيز مسيرة التنمية بكافة مجالاتها، التي يشكل الفساد إحدى أهم العقبات أمام تحقيقها. وأكد هذا القرار حرص قيادتنا الرشيدة على شؤون الوطن والمواطنين، وحماية الحقوق، ومحاسبة المقصرين، والمتورطين، والمتسببين، في حدوث الكارثة التي ألمت بمدينة جدة، وأحدثت أضراراً بالأرواح والممتلكات، وأثارت كثيراً من التساؤلات حول أوجه التقصير الحاصل، وصور الفساد التي ظهرت للجميع. لقد جاء قرار خادم الحرمين الشريفين ليؤسس لطريق طويلة في مكافحة الفساد الذي يعد من الظواهر الخطيرة التي تواجه الدول، وتؤثر في خططها؛ لتحقيق التنمية المستدامة، ويؤدي إلى زعزعة القيم الأخلاقية داخل المجتمعات التي تقوم على الصدق والأمانة والعدل والمساواة، ويخلق بالوقت نفسه شعوراً بعدم المسؤولية، وطغياناً للسلبية، في هذا السياق تنبهت مختلف الدول والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني إلى خطورة ظاهرة الفساد، فتنادت الدول لعقد الاتفاقيات الدولية لمكافحتها، وانشأت الهيئات والمنظمات التي تهدف إلى ترسيخ الشفافية ومحاربة الفساد سواء على المستوى الدولي، أو الاقليمي، أو حتى الوطني، وهو ما يدعونا - ونحن نستشعر خطورة الفساد وآثاره في مجتمعنا - إلى الدعوة لتأسيس اطار عمل مؤسسي وطني يهدف إلى التصدي له من خلال إحداث هيئة عليا لمكافحة الفساد، تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية، وتتبع للديوان الملكي، وتتمتع بصلاحيات واسعة، وان يتم اختيار أعضائها بشكل صحيح، اضافة إلى هدفها الرئيس بمكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره، تقوم بتحديد أبعاد ظاهرة الفساد في المملكة، وصياغة أفضل وأنجع الأساليب لمعالجتها، والعمل على الصعيد القانوني والقضائي لايجاد منظومة من القوانين والأنظمة التي تشكل حجر الزاوية في أي عملية منهجية، ومؤسسة في طريق مكافحة الفساد. وما توجيه خادم الحرمين الشريفين وزارة الداخلية في قراره الأخير بادراج جرائم الفساد المالي والإداري ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو الوارد في ضوء التعليمات والأوامر والتنظيمات المتعلقة بمكافحة الفساد، إلا دليل على أن قرار التصدي للفساد جاء بناء على تلمس قيادتنا الحكيمة لخطورة الظاهرة، وإصرار على مكافحتها من دون إبطاء أو تهاون، وحتى تسود ثقافة المحاسبة والعقاب لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم الفساد، التي تهدد النظام العام، وتشكل اعتداء على الحقوق واستغلالاً للسلطات العامة.