كان قلبه أخضر .. يركض و(يتكتك) ، رايح جيْ .. كما بندول ساعة (بغ بن) .! يسري صوته مع الليل .. يموّل ويدندن .. مرة " على بلد المحبوب ودّيني " .. ومرة " يم العباية " .. و" في البحر لمْ فتّكم في البر فتّوني " وغيرها من أغاني زمان .. ودائما يختم كل ذلك ب " أوف أووف يا ولفي ما تخاف الله " .!! ولم يكن وليفه إلا البحر .. كان يغنّي على سطر ويسعل على سطرين .! غاب عن الناس من أيام (بحر الأكياس) .. أشاعوا أنّه مات .. شرب ماء البحر حتّى خرج من أنفه وأذنيه .! لم يمت .. لا بالسعال ولا بشُرب البحر ولا بأنياب السنين .. فوجئتُ به في ( البنقلة ) القديمة ، يفترش بطن بقايا (سنبوك) .. قلت له : فين ظهر السنبوك ؟! قال : " ماله ظهر .. وإللي ماله ظهر ينفرش على بطنه ".! لم يعد يغني ل ( أم العباية ) ولا (أم أربعة وأربعين) .. جف فيه كل شيء ، إلا قلبه ولسانه .. نظر إلي ّ وابتلع سنين العمر الفارطة وكأنه يقول : " إيش نسوّي ؟.. القلب أخضر والناس ما تعذر " .! لم يكن يفكّر أبدًا في بُكره ولا بعد بُكره .. فقد كان يومه عيده .! كان يؤمن بأن الساعة القادمة حياة جديدة .. واليوم والشهر القادم والعمر القادم .. يمرض .. وماذا في ذلك ؟.. الناس يمرضون ويشفون .! يفشل ، مرّة أو أكثر .. لا يهم .. فكلما تعددت مرات الفشل جاء النجاح عظيما ومبهرا .. يشع فتضيء الدنيا كلها من الأفق إلى الأفق .! إن إرادة الحياة قوة متدفقة .. كالمزن الهاطل الذي يغمر ويفيض ، ولا تقف في وجهه (العوارض) .! والماء حيااااة ... و (الركض) أيضا .. وهي وصفة ربانية .. أمر الله بها عبده ( أيوب ) الأوّاب ، بعد أن مسّه الشيطان بنصب وعذاب .. يشرب .. ويغتسل .. ويركض .. وإذا كان في عموم الماء حياة .. فما بالك بأشرف وأطهر ماء جعله الله طعاما وشفاء ؟! إحساسنا هو الذي يحرّك الأرض من تحت أقدامنا ، أو يثبّتها .. فمن أجل هذا يقال عن من يصيبه الخوف والقلق : أظلمت الدنيا في عينيه ، أو مادت الأرض من تحت قدميه .! وفرق بين قولهم انشقت الأرض وابتلعته ، وقولهم انشقت عنه الأرض .. فهل يضرب الأرض برجله إلا الواثق ؟! الأمل يبرق .. ويشق ظلمة النفس .. وبالأمل نعيش .. إذا أضاء مشينا .. وإذا أظلم توقفنا .! أوقدوا شعلة الأمل .. أبقوها مضاءة كما شعلة (الأولمبياد) .. واستعدوا لجولات جديدة من (الركض) على مضمار الحياة . * * * سطر من دفتر الشعر : صباحُك سُكّرْ ومنٌ وسلوَى .. وتمر وحلوَى .. وهمسُك عنبر .. وصوتُك رشّ الفؤادَ الحزينَ بقمحٍ وزعتر .. وقال لكلّ المحبينَ ذوبوا بعشق الجمال ، وقولوا لهُ : سوف نهواكَ أكثر .. وقال لكل البنات استرحنَ ، سيأتي إليكنّ هذا الجميل ، على صهوةٍ للجواد المُظفّر .. وقال لكل القرى سوفَ يهْمي على شاطئ الحزْن ِ نهرٌ وكوثرْ .!