من المنتظر أن تعقد، خلال الأيام القليلة المقبلة، اكبر محاكمة للفساد في تاريخ المملكة في أعقاب صدور الأمر الملكي القاضي بإحالة جميع متهمي كارثة جدة إلى هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام. هذه المحاكمة التي يترقبها السعوديون بشوق ولهفة ستكون علامة مفصلية في تاريخ أداء الأعمال وستغير إلى الأبد النظرة إلى المال العام. وهي فضلا عن ذلك، ستكون خير عزاء ومواساة لذوي شهداء الكارثة وأحبابهم. صحيح أن التعويض السخي الذي كان خادم الحرمين الشريفين قد أمر به لهم قد واساهم وجبر خواطرهم، إلا أن عزاءهم الحقيقي هو شفاء غليلهم بمشاهدة من تسبب بمصابهم يخضع للمحاكمة والحساب. المحاكمة التاريخية ستكتب فصلا جديدا فيما يخص الجرأة على المال العام، إذ سمعنا، في العقود الماضية، عن جرأة الفاسدين الفاضحة عليه بمساندة من خانوا الأمانة في بعض الأجهزة الحكومية. والأسوأ أن الطريقة المكشوفة التي يمارس بها الفاسدون فسادهم جعلتهم يجرفون في طريقهم الكثير ممن لم يكونوا ليتعرضوا للمال العام لولا مشاهدتهم لغيرهم ينجو من العقاب. المحاكمة التاريخية تمثل ذروة الحرب التي أعلنها الملك العادل على الفساد وهي تنفيذ لعهده، حفظه الله، بأن يضرب بالعدل هامة الجور، وهي فوق ذلك، رسالة للتنفيذيين في الأجهزة الحكومية بان هذا العصر هو عصر الجد والإخلاص لله ثم للمليك والوطن. المحاكمة التاريخية، بالإضافة إلى كل ما سبق، من المؤمل أن تنجح في إطلاق عملية معالجة لمواطن القصور والضعف الواضح في أداء الأجهزة الرقابية التي لم تتمكن من كشف الإهمال والفساد أو أنها هي الأخرى ضعفت أمام الفساد. والأمل معقود أن تترك هذه المحاكمة التاريخية أثرا مباشرا على انتشار الفساد وستحد من اتساع رقعته في كل شبر من هذه الأرض المباركة حيث سيعلم الجميع أن أحدا لا يتمتع بالحصانة من المحاسبة والعقاب، وهي ستكون درسا عمليا لما يمكن أن يحيق بأصحاب المكر السيئ. ما ينتظره المخلصونن هو تفعيل مهام هيئة النزاهة علها تكون السلاح الأمضى في جعبة الوطن ضد ممتهني الفساد والإهمال متخذة الشفافية طريقا لها في المساءلة والمحاسبة. تلك الهيئة، إن أحسنت إدارتها، ستضع البلاد على المسار الصحيح وتجعل الأمر لا يحتاج إلى كارثة دامية لتكشف لنا عن الإهمال والفساد. وفقك الله يا خادم الحرمين الشريفين، فأمرك الكريم يثبت أن عزيمتك لم تفتر عن أداء أمانة حملك الله إياها.