الشفافية التي تمارسها الأجهزة المعنية في جدة والقرارات التي اتخذتها حتى الآن تؤكد بلا شك حرص المسئولين على اكتشاف بؤر " الفساد " والكشف عنها ومحاسبة المتسببين فيها أمام المواطنين .. لكن هذه الممارسة الرائعة في الكشف عن المستور .. أليس لها مماثل ، دعونا نفكر بعيداً عن " سيول " جدة .. وهي الكارثة التي هزّت ضمير الوطن كله؟ ولا أعرف لماذا أصبح التركيز على قضية جدة وحدها، رغم أنها مؤلمة، وكأن الفساد في أمانة جدة وكُتاب العدل فيها، مع أننا نشكو مرّ الشكوى من وجود ثغرات كثيرة تحتاج فعلاً للمساءلة والمحاسبة ومن ثمّ الإدانة والعقوبة.. في العديد من المناطق .. والمرافق الإدارية. لا أعرف ما المطلوب بالضبط، كي يشعر المواطن في كل بقعة من الوطن، بأن هناك فعلاً ثوابا وعقابا، رغم أن لدينا هيئة وطنية لمكافحة الفساد ، كان الله في عون مسئوليها على مواجهة كل الخروق التي تشوه ثوب الوطن الجميل، وكي تعيد صورة الضمير الذي يجب أن يصحو من غفوته لدى بعض مسئولينا. المشكلة ليست كما قلت في جدة وحدها، وليست في كارثة سيول بعينها، وليست في ضبط كاتب عدل أو غيره، لتورطه في قضية ما، المشكلة لماذا لا نجذر حبنا لهذا الوطن ونعمل من أجله بعيداً عن أي اسقاطات يقال عنها أنه «الفساد».. كمواطن، أتألم كثيراً ، وأنا أرى الكثير من الخلل وعدم المراقبة والتأهيل في تنفيذ بعض المشاريع يسعد المواطن عند إقرارها. وكمواطن أيضاً، أتحسر على حال بعض شوارعنا ومرافقنا العامة، من طرق وكباري وأنفاق وجسور، نعلم جميعاً كم من المال رُصد لها، من ميزانية الدولة، ومع ذلك تتأخر ، أو لا تنجز على الوجه الأكمل ، وتقريباً نفس الحجة والأعذار، المقاول أو شركة الصيانة أو المكتب الهندسي، ثم يتبخر الحديث وكأن لا شيء حدث. كمواطن، أصاب بالفزع ، عندما اقرأ تلك الأعذار .. فيما لا تزال شوارعنا تغرق تحت "شبر ماء" ونلقي العتب على شبكة تصريف المياه، وكأنه لا حلّ.. أما حديث كل صيف، فسيأتي بعد أيام، عندما تشتد الحرارة، وتئن محطات الكهرباء، لنعيش ساعات القيظ، لانقطاع التيار، والحجة دائماً جاهزة.. زيادة الأحمال، وكأننا لا نعرف متى يأتي الصيف؟ ولا كيف سنواجه المشكلة؟. قبل أسابيع قليلة ، شدد رمز هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين على جميع الوزارات الخدمية، ووجه لها اللوم الشديد، مما يعني أن أداء غالبية هذه الوزارات لا يتماشى مع تطلعات الملك من أجل خدمة أفضل للمواطن.. فماذا يعني هذا؟ . يعني ببساطة أن علينا أن نعترف بأن هناك خللاً شديداً، لا يجب أن يكون قياساً بالميزانيات الهائلة ولا بالإمكانيات التي توفرها الدولة لهذه الوزارات لتأمين حياة أفضل. يعني أيضاً أن هناك "فساداً" بشكل ما، هنا أو هناك ليس في إنجاز المشاريع .. ولكن حتى البطء في إنجاز المعاملات وهو أمر يجب التصدي له بأي شكل وبأي ثمن، فساد في الضمير، وفساد في عدم التحلي بروح المسؤولية، وفساد في عدم التعبير عما يجب أن يكون بدقة على هذه الأرض الطيبة. المشكلة ليست كما قلت في جدة وحدها، وليست في كارثة سيول بعينها، وليست في ضبط كاتب عدل أو غيره، لتورطه في قضية ما، المشكلة لماذا لا نجذر حبنا لهذا الوطن ونعمل من أجله بعيداً عن أي اسقاطات يقال عنها أنه " الفساد " .. القيادة والحمد لله تسعى وتسعى .. ليبقى دور المواطن. صدقوني .. المسألة ليست فردية ، ولا نقصد منها هذا أو ذاك، ولكننا مع وجود هيئة مختصة لمكافحة الفساد ، نريد أن نرى أفعالاً وأقوالاً .. في إطار مؤسسي وقانوني وشرعي، يعيد الاعتبار للجهات المعنية. صدقوني.. المواطن يريد أن يشفي غليله من كل مسئول تطاول على حقوقه.. وهذا يكفي يا سادة.