سألني أحد الأخوة عن مصدر قصة تلك الأعمال الرائعة التي أنجزها شباب الأنصار رضي الله عنهم في المقال السابق، وها أنذا أذكر الرواية في صحيح مسلم 3 - 1511 مع ملاحظة أنه توجد تفاصيل أخرى عند البخاري. قال أنس بن مالك رضي الله عنه:(جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم (القراء) فيهم خالي (حرام) يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون، فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا. قال أنس: وأتى رجل حراما (خال أنس) من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا) ما أجمل الشباب عندما يوظف عقله وطاقته في الخير. قبل أشهر قام شاب جامعي مع مجموعة من الشباب عبر (الفيس بوك) ببعض الأعمال التي يتلمسون من خلالها حاجة بعض الفقراء والمعوزين في أحياء الرياض، ثم يتركون لبعضهم مهمة التنفيذ، ومن بين تلك القصص.. قصة رجل يعاني أشد المعاناة من مرض السرطان، ويتلوى في بيت متهالك لا تتوفر فيه أدنى سبل الراحة.. أطياف الشباب التي تقاطرت لنجدة ذلك الرجل المريض مفرحة: كان أغلبهم من شباب (الكدش) وكان عطاؤهم يسر القلب.. أحدهم أحضر مكيفاً والآخر ثلاجة وبعضهم تطوع لصبغ البيت وتأثيثه... بكى ذلك الرجل عند مغادرتهم، وزاد بكاؤه وهم يضعون في يده مبلغاً من المال ليستكمل علاجه، ثم انصرفوا إلى إنجاز آخر.. متى نفهم شبابنا؟ متى تتحول (رئاسة رعاية الشباب) في أنشطتها إلى رعاية العقل السليم بعد أن تولت رعاية الجسم السليم، فشبابنا يتحولون إلى صناع للحياة كشباب الأنصار عندما نحترم عقولهم وطاقاتهم وليس مجرد أبدانهم؟ ألم نسأل أنفسنا يوماً: ما الذي لدى (140) مليون ياباني يعيشون وسط الزلازل والبراكين ماداموا لا يملكون نفطاً ولا حديداً ولا ألماساً؟ الأمر باختصار هو: أن القوم اكتشفوا أن لديهم أعظم ثروة على وجه الأرض (ثروة الشباب) فراهنوا على احترام عقولهم، فما الذي يحول بيننا وبين عقول شبابنا وطاقاتهم؟، أما عطاء الكبار فيرغمني على المرور بشلال العطاء.. بطبيب (أحسبه والله حسيبه) من أنقى أطباء الأرض وأكثرهم إنسانية وسخاء وبعداً عن الأضواء، أسلم على يده أكثر من سكان وطنه عشر مرات، لا لأنه خطيب مفوه أو واعظ، بل لأنه طبيب طيب القلب يطعم هذا ويعالج هذا ويمسح دمعة هذا ويغيث هذا مجاناً.. مهما كان دين المحتاج حتى لو كان يعبد حجراً.. ومهما كان لونه أو جنسيته، ثم يعطر كل ذلك بكلمات قليلة جداً عن التوحيد والإسلام.. إنه الدكتور عبد الرحمن السميط، وهو لمن لا يعرفه طبيب يجوب قرى أفريقيا وأدغالها بتواضع.. سخر علمه وطبه للعمل الخيري التطوعي والإغاثي. كان بإمكانه أن يعيش حياة البذخ في بلاده (الكويت)، وأن يقضي إجازاته في أجمل نقاط السياحة في العالم، لكن دقائق حياته وثوانيها بالنسبة له كقطع الألماس.. لذا فهو يوزعها على تلك القلوب التي أضناها التعب والظلم والجوع والحروب، وعندما عاتبته زوجته على كثرة رحلاته، حرضها على مصاحبته لتكتشف نعيم الإحسان إلى الإنسان، ونشوة الروح عندما يبتسم الإنسان، فأصيبت بالعشق نفسه وهامت روحها في أرجاء القارة السمراء.. تنافس رفيق دربها علها تعوض ما فاتها من عشق لا يمكن أن يشعر به إلا من ذاقه.