لا يوجد ما يستعصي على الوصف مثلما هي الفوضى التي نعيشهاِ ، فمهما حاولت أن تضعها في أطر محددة لتصفها تمتد بك ذيولها يمينا ويسارا لتنتهي بلوحة سريالية غير مفهومة يمكن أن تقلبها وتديرها في جميع الاتجاهات دون أن يغير ذلك في وضعها شيئا. كنتُ قبل بضعة أيام مع صديقة لي فسألتني عن ما أنوي الكتابة عنه فأخبرتها بأني أفكر في الكتابة عن الفوضى ، فاطلقت لنفسها العنان في وصف ما تراه هي فوضى وتتوقع أني اعتزم الكتابة عنه ومع أنها أسهبت في كثير من القضايا التي اتفق معها تماما على فوضويتها إلا أنني تفاجأت بأن ما حكت عنه هي مختلف تماما عن ما كنت أفكر فيه! والعجيب أيضا أننا توصلنا إلى محصلة بأن قضايانا الفوضوية وما أكثرها تدور في حلقة مفرغة من الصعب فعلا تحديد بداياتها. ولن أحصر المقال في قضايا معينه لأنها في المجمل تشبه بعضها بعضا ولنضرب أمثلة بسيطة، الفوضى المرورية التي يشتكي منها كثير من العرب في مدنهم والاختناقات التي يعيشونها داخلها ويعتقدون أنهم يضيعون فيها كثيرا من وقتهم تشبه في شكلها ونمطها والوقت الذي يضيع معها ما نراه في دوائرنا الحكومية وتعاملاتنا معها بما فيها من تمطيط ومماطلة. فنحن لا يمكن أن ننكر وجود الأنظمة لكننا لا نراها لأنها في كثير من الأحيان لاتطبق ! فهل السبب الانسان العربي وطبيعته الأكثر حبا للفوضوية أم الأنظمة واللوائح التي لا تكون لها فاعلية الا اذا طبقت بفوضوية؟ سؤال أراه محيرا لأننا دائما ما نخلق المشاكل لنا بسبب فوضويتنا لكننا في نفس الوقت نكره أن نعيش بدونها . وكثيرا ما تسمع عبارات عن الشطارة والفهلوة والنباهة أو الصقارة التي تذكر على سبيل المدح وهي في أساسها ذم لأنها مبنية على التهرب من النظام أو الأنظمة سواء بالتحايل عليه أو خرقه عن عمد. والمضحك المبكي أننا خلصنا إلى نتيجة مقنعة بأننا نضع الأنظمة ولا نعيش داخلها بل ندور حولها ونقتطف منها ما نشاء وقتما نشاء ولصالح من نشاء . فهل نحن فوضويون بالفطرة أم بالتعود ؟ إليكم مثالا آخر يكفي أن يعرف الآخرون بأنك عربي ليؤكدوا عليك مرتين على الأقل لكي تأتي للموعد في الوقت المحدد. ويكفي أن تكون عربيا لتسألهم أنت إن كان هنالك طرق أخرى غير الطريقة المذكورة لتقدم بها على ما تنوي طلبه. فالأنظمة يفترض أن يكون لها طريق واحد فقط، أما نحن العرب فنحب ونحاول أن يكون لنا عشرة طرق لكل نظام وعشرة منافذ أخرى غير الباب لنطرقها وندخلها.