كثيرون يصرّون على السلوك الفوضوي الذي لا يعترف بشيء اسمه النظام في الحياة والانضباط، وحقك وحقي، وكأن بينهم وبين النظام والأخلاق العامة عداءً مستحكمًا، فالفوضى تضرب بأطنابها في حياتنا وتعاملاتنا؛ حتّى اختلط الحابل بالنابل، فلا احترمنا النظام، ولا نحرص على غرسه، وتطبيقه تربويًّا وعمليًّا كثقافة حياة، وبالتالي نسلم راية الفوضى جيلاً بعد جيل ثم نتساءل: لماذا نحن فوضويون إلى هذا الحد؟ المشكلة نراها أكبر في تأثيراتها الخطيرة الهادمة عندما يكون المواطن هو أساس الفوضى، ويخالف أكثر على اعتبار أنه ابن البلد، وعندما يتعمّد (بعض ربعنا) القفز فوق الأنظمة، أو المخالفات المرورية الفجّة على الطرق، ويفتخر بذلك، نكون جملةً وتفصيلاً في نظر الآخرين شعبًا فوضويًّا لا يحترم النظام في بلده، ومثل هذه التصرفات قد تشجع الغير فيتبعها هو الآخر (مع الخيل ياشقرا)؛ لأننا أول مَن يتجاهلها ويسيء تطبيقها. أمثال هؤلاء المواطنين عندما يسافرون إلى دولة ما في الخارج، فإنهم عادة ما يتهيّبون أنظمتها، ويتلمّسون سياق حياتها خاصة الشعوب التي تحرص على الانضباط والحقوق المتبادلة في الحياة العامة على الطريق، أو في الطابور، أو في النظافة، ومَن يستهتر ويجرؤ على مخالفة ذلك سيجد العقوبة بانتظاره، والتقريع بأنه ليس في بلاده، ورغم ذلك اعتاد البعض -للأسف- أن يأخذ الفوضى معه أينما سافر، والدليل أن العديد من البلدان المتطورة في نظامها تشهد سلوكيات من أبناء جلدتنا، وبذلك يأخذون انطباعًا بأننا شعوب متخلّفة، وما في فايدة في العرب والمسلمين!. أعود إلى الداخل والأمثلة لا حصر لها في بلادنا، وعنوانها الأكبر بكل أسف، هو ضجر الكثيرين من أي نظام جديد يضبط السلوك في العمل، أو في التعليم، أو في الشارع العام، ولا يصبر على ذلك، ولا يعترفون بحاجة اسمها نظام، والنتيجة أننا فشلنا في تطبيق أي مظهر له، وفرض احترامه حتى الآن، لأننا لم نتخلَّ عن الفوضى في البيوت، أو العمل، أو الفصل، وغير ذلك. إن ديننا الحنيف يعلمنا النظام، وما يرتبط به من أخلاق وتراحم، والحقوق والواجبات، واللين والصبر، والتواضع واحترام الآخرين، ويهذب السلوك، وكلها لها نصوص في القرآن الكريم والسنّة المطهرة، وتتردد على أسماع الجميع كبارًا وصغارًا في الخطب والمحاضرات، وفي البرامج التليفزيونية، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي لأن المجتمع بمؤسساته التربوية والدعوية انشغلت بقضايا أخرى تكاد تكون مكررة، وتقليدية، فاعتادها الناس على أنها استهلاك ككل شيء في حياتنا، زد على ذلك غياب العقوبات التربوية والنظامية والحكمة تقول: (مَن أمِن العقاب أساء الأدب)، بينما الأخلاق الجميلة راسخة عند شعوب أخرى، وتمارسها بتلقائية لافتة للانتباه باعتبارها نظام حياة، ولهذا تقدموا ونحن غارقون للأعناق في الفوضى التي لا تجلب سوى التخلّف الأخلاقي، وانعكاساتها على كل شيء قولاً وعملاً. أسباب المشكلة معقدة حتّى كدنا لا نعرف بدايتها من نهايتها، ولا كيف نعالجها، ومَن المسؤول عن التقويم وفرض النظام؛ لأن الكل مسؤول، وكما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...) فكم منّا يحترم النظام في مواعيد العمل؟ ويخلص فيه، وبكل دقيقة منه؟ وكم من الأسر يحترم أبناؤها مواعيد نومهم ومذاكرتهم وترفيههم؟! السبب أن القدوة غائبة، وكما يقول المثل: (إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا...) لهذا اختلطت الأمور، وضاعت الأوقات، ومن ثم ضياع الأهداف، والأب والأم مسؤولان بشكل مباشر عن غرس وتطبيق هذه الأخلاق المطلوبة في نظام الحياة. وفي بعض الجهات الحكومية وغيرها من الخدمات العامة التي تسير بالفوضى، وتتيح مجالاً للوساطات، ناهيك عن الرشاوى.. لماذا؟! السبب غياب النظام، وعدم تطبيق الأنظمة والعقوبات، وبالتالي ضياع هيبة الأنظمة. ومن العجيب أن كثيرًا من البرامج التليفزيونية الهادفة تجذب كثيرًا من المشاهدين والمشاهدات وبالساعات، ويسمعون الكثير عن فضائل النظام والوقت والحقوق، ومع ذلك لا تجد صدى على أرض الواقع في حياتهم، وهذا أكبر خطأ في حق ديننا وصورة بلدنا ومجتمعنا، وما يجب أن تكون عليه الأخلاق.. ألا نبدأ في ترسيخ ثقافة النظام كسلوك حضاري في كل مراحل الإنسان والحياة، ونتعلم كيف يكون الإنسان مواطنًا صالحًا ملتزمًا قدوة في بلاده وسفيرًا حسنًا لها خارجها.