هذا الكتاب يتناول الفوضوية بتجلياتها المختلفة في أكثر الثقافات شيوعا في العالم. وبرغم أن المؤلف يتناول منذ البداية الفوضوية بطي بحثه عن تعريف مناسب لها، إلا أن الخيارات التي يسوقها المؤلف تفضي به في النهاية لتأكيد أن الفوضوية تعبر عن مواقفها السياسية بغض النظر عن كون بداياتها الأولى ربما تنطلق عن حركة شعبية أو فلسفة أو نمط حياة مثلا على غرار النمط المعيشي لأسلوب الهيبيز الذي أخترعه الطلاب الهولنديون أثناء اعتصاماتهم الجامعية ضد سياسة الحكومة الهولندية في فترة ما بين الحربين؛ لتعبئة مواجهات عسكرية لا ناقة لها فيها ولا جمل. غير أن هذا الكتاب لا يقتصر على التوصيف الآني لمفهوم الفوضوية في القرن العشرين وما تلا ذلك من تيارات أو مذاهب سياسية برسم التأثير الفوضوي الآخذ مده في الثقافة السياسية أو المعيشية للعالم منذ ثورة الورود البيضاء في هولندا وما تلا ذلك بانعكاساته على ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968 أو ربما من قبل في عهد تروتسكي الثائر إبان الثورة البلشفية في روسيا، وإنما يعود المؤلف من خلال كتابه بتناولات التاريخ الفوضوي إلى الوراء بقرون عدة، حيث يشير صراحة إلى فوضوية ديوجين الأغريقي بوصفه أول من أشرع نافذة لمؤسسين ومفكرين فوضويين اتخذوا في شمال العالم الصناعي من أساليب التحرر شعارا لهم. يتحدث المؤلف عن ديوجين الكلبي بوصفه أول ثائر كوزموبوليتاني أغريقي ضد المدنية والنسب النبيل والثروات، إذ بقي ديوجين فوضويا في تحريره النموذج الإنساني مجردا من أية إضافات عابرة لا تدوم. هنا فقط يشرع المؤلف من خلال كتابه عن تاريخ الفوضوية في التسويق الفكري لأبرع مشاهير الفوضوية ممن عرفهم التاريخ ممثلين في قيادات رمزية على غرار برودون، باكونين، مالاتستا، ولكنه أيضا في الوقت نفسه يطرح على هامش الفكر الفوضوي رمزا آخر مثل جان جيونو المسالم؛ لأنه فضل الموت منتحرا، وكذلك أيضا سيلين صاحب فلسفة الموت بالتقسيط الذي عاش حياته نافرا بتهمة معاداة السامية، إذ طارده اليهود في كل مكان وحرموا على دور النشر الفرنسية طبع أي من أعماله حتى وفاته، وكذلك أيضا صاحب الرواية الخفية «إلى آخر الليل»، ومارسيل آيميه. غير أن الكتاب مع هذا وذاك لا يتحدث عن أشخاص وزعامات فكرية حملت لواء الفوضوية، ولكنه يتناول إلى جانب ذلك أشهر حركات الفوضوية، فهو مثلا يتناول الفوضوية الإسبانية بحذافيرها التقليدية، ناهيك عن التيارات الفوضوية في الصين، وأيضا الفوضى في الصومال، وكذلك أيضا الفوضوية الكوبية، والفوضوية في اليونان والأكوادور والمؤتمر الدولي الفوضوي في أمستردام، ناهيك عن الفوضوية الإيرلندية وفي بافاريا، وغير ذلك كثير في كندا والمكسيك، ولكن من يرث الفوضويين اليوم في التاريخ الحالي؟ هذا الكتاب يجمع شتات الفوضويين منذ أزمنة الأغريق إلى القرن العشرين ولكنه في الوقت نفسه يضيء حركة الفوضويين ممثلة في ثورة الطلاب الفرنسيين أواخر الستينيات، ويقول عن تلك الثورة «إنها كانت تمثل الشباب المنفلت من عقاله»، فيما يؤكد المؤلف من خلال الكتاب نفسه أنه يرى في جماعات الخضر والناشطين البيئيين أو المعادين للعولمة محاولة استعادة الروح للفوضوية، وفي الوقت نفسه يعتبر الكتاب أن أهم شيء عند الفوضويين هو رفضهم التام للعبة السلطة السياسية، فهم يرفضونها من الأساس ويرون أن الانتماء للسياسة يخل بأهم دوافع الانتماء إلى فلسفة الفوضى. History of Anarchism: Paris Commune، Homage to Catalonia، Anarcho-Syndicalism، Orange Alternative، International Workingmens Association