يتعب المؤيدون والمقتنعون في وصف مزايا وفوائد أي عمل جديد. في حين لا يألو المعارضون جهداً في الاستمرار والتلون وابتكار المعارضة ظناً منهم أن ذلك سيؤدي إلى تبني رأيهم وأنهم بذلك يمثلون رأي المجتمع بأكلمه. إن كثرة أصوات المعارضه والانتقاد السلبي لا تعني بالضرورة كثرة متبنيها ولا وجاهة رأيها، ويجب على العقلاء المنصفين أن يقولوا رأيهم لكي نضمن تكافؤ فرص البيان. أعطي هذه المقدمة للدخول إلى موضوع مهم على ساحتنا التعليمية وهو موضوع اختبارات المرشحين لمهنة التعليم، التي تناولها البعض بشكل مشوه وبعيد عن الموضوعية. فالاختبارات التي تبنتها وزارة التربية والتعليم وأسندت مسؤوليتها بموجب الاتفاقيات، إلى المركز الوطني للقياس والتقويم، وهو المركز المتخصص في القياس والاختبارات، تهدف إلى قياس مدى توفر متطلبات المهنة لدى المتقدم لمهنة التعليم. وهذه المتطلبات والكفايات تحكمها معايير مهنية متفق على غالبيتها لدى المتخصصين عالمياً، لكنها تعاير بناءً على المتطلبات الخاصة بالبلد وبناءً على التأهيل الموجود لدى الجامعات وكليات التربية. وهذا بدون شك يحتم الترابط والتكامل بين مسؤوليات الجهات المُعِدَّة للمعلم، وهي الجامعات، وبين متطلبات المهنة التي تشترطها وتقررها الجهة الموظفة وهي وزارة التربية والتعليم. وهذا الترابط هو جزء من أي مشروع تطويري للارتقاء بمهنة التعليم. ما ذكرته حتى الآن أمر واضح وجلي ولا يختلف عليه اثنان. لكن السؤال المتولد لدى البعض هو لماذا تفشل نسبة كبيرة من المتقدمين لمهنة التعليم في اختبارات دخول المهنة؟ هل هو ضعف في المخرجات أو ضعف في البرامج وعدم تواؤم بين التأهيل ومتطلبات المهنة. هذه الإشكالية كانت متكأً للبعض للحديث عما يسمى ضعف الثقة بين المؤسسة المؤهلة والمؤسسة الموظفة، وبعضهم نَسَبَ المشكلة إلى عدم مناسبة الاختبار، وبعضهم رأى عدم الحاجة إليه أصلاً.ولكي نوضح السبب يجب أن نقرر عدة حقائق لها أهمية في الموضوع، وهي: 1- ليس كل المتقدمين لمهنة التعليم هم من خريجي الكليات التربوية، بل إن عدداً من التخصصات تخلت عنها كليات التربية منذ أمد مثل تخصصات اللغة العربية والاجتماعية واللغة الإنجليزية والعلوم والرياضيات، والقليل من خريجي هذه التخصصات من كلياتهم مثل كلية الآداب والعلوم ينخرطون في البرنامج التتابعي التربوي ولا الدبلوم التربوي مما يدفع بالوزارة إلى التفريق بين المتقدمين وإعطاء الأولوية لمن يحملون المؤهل التربوي وتعيينهم على مستوى وظيفي أعلى، لكن ذلك لا يمنع الوزارة من استقبال طلباتهم واشتراط اجتيازهم الاختبار بجميع أقسامه خاصة للتخصصات التي لازالت الحاجة لها قائمة بشكل كبير. 2- بناء على تراكمات اجتماعية وتربوية ومهنية، أصبح لدينا في الجامعات بعض التخصصات التي تستهدف المتميزين من الطلاب ويترتب عليها منافسة قوية وأخرى في ذيل القائمة لا يدخلها غالباً إلا من هم أقل تأهيلاً وقدرة على المنافسة. وكان من هذه التخصصات للأسف التخصصات التربوية وتخصصات العلوم البحتة مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء وكذلك كليات المعلمين. والحقيقة أن هذه التخصصات هي التي تسد حاجة القطاع التعليمي للمعلمين، مما انعكس سلباً على مخرجاتها وبالتالي مدخلات القطاع التربوي. 3- بحكم محدودية فرص العمل لبعض التخصصات خاصة في المدن الصغيرة فقد كان قطاع التعليم هو القطاع الرئيسي الموظف للكوادر الوطنية مما دفع الكثيرين، غير القادرين أو غير المهيئين لمهنة التعليم، إلى الدخول إلى هذه الكليات رغبة في الحصول على وظيفة خاصة ان هذه الكليات هي التي كانت في السابق متوفرة أكثر من غيرها خصوصا في تعليم البنات. وهذا مما أثر سلباً على المهنة وأدخل فيها من لا يرغبها أصلا، وإنما دخلها لكونها تُعِدُّه لوظيفة تمكنه من الحصول على لقمة العيش وتأمين احتياجاته واحتياجات أسرته. 4- بسبب توفر الوظائف التعليمية أكثر من غيرها خاصة في الأعوام الأخيرة فقد لجأ الكثير من خريجي بعض التخصصات مثل اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والشريعة واللغة الإنجليزية ممن لم يستطيعوا أن يحصلوا على وظائف في تخصصاتهم، بسبب ضعف تأهيلهم أو بسبب قلة الفرص لديهم، إلى التقدم للوظائف التعليمية والاصطفاف لسنوات انتظاراً للتعيين، وإن حصل على وظيفة أخرى فإنه يصنفها على أنها مؤقتة. وهذا انعكس سلباً على مستوى المتقدمين للمهنة وزيادة أعدادهم ومطالبتهم بالأولوية حسب سنة التخرج وليس حسب مستوى أهليتهم للمهنة. بناءً على هذه الحيثيات رأت وزارة التربية والتعليم أن من حقها، بل من واجبها وضع الشروط والمؤهلات والاختبارات للتأكد من امتلاك من يتم تعيينهم للحد المقبول من الكفايات والمواصفات الواجب توفرها لدى شاغل هذه المهنة، بغض النظر عن الجهة التي تخرج منها، فالواجب على المجتمع الوقوف مع الوزارة في هذا التوجه بعيداً عن المصلحة الخاصة للأفراد، والحرص على تغليب المصلحة العامة لتحقيق مستويات عالية من الأداء التعليمي الذي يجب أن يتوفر خدمة لأبنائنا الطلاب والأجيال القادمة. وإن من حق المجتمع ممثلاً بأصحاب التخصص أن يتأكدوا من سلامة هذا التوجه وسلامة أدواته وأن يطمئنوا على مستقبل الأجيال القادمة في أهم جانب من جوانب تنميتهم وهو التعليم. إن المجتمع يجب أن يؤيد ويساعد على تطبيق أي إجراء يصب في المصلحة العامة وأن يعلم أننا في عصر منافسة لا مكان فيه إلا للمتميزين علماً وسلوكاً وأداءً. *مدير المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي