معظمنا يرى بأن المخالفات والفوضى المرورية التي نشاهدها كفيله بإنجاح برنامج (ساهر) لتسببها في حوادث أدت إلى ارتفاع كبير بالوفيات والإعاقات ولكون آلية ضبط المخالفات وتحصيل الغرامات ستحد منها، ولكن لأننا شهدنا فشل عدد من المشاريع الكبيرة التي بدأت وانتهت فورا مع التغطية الإعلامية لتدشين كل مشروع اُبرز إعلاميا وكلف الدولة مئات الملايين، فإن الجميع لايريد أن يحدث لبرنامج (ساهر) ماحدث بالمشاريع الأخرى التي كانت تُعنى بتطوير الخدمات بينما ساهر بحفظ الأرواح! فاهم أسباب فشل تلك المشاريع هو إهمالها لفكر "إدارة التغيير" بمفهومه الواسع عند تطبيق أي مشروع لإدخال او تطوير الخدمة او إحداث تغيير.. لكونها اعتمدت على كون المشروع حكوميا وسيتم فرضه من الدولة وهو ماتسبب في الفشل لعدم النجاح في إحداث التغيير المطلوب لتقبل الجديد، فبرنامج (ساهر) الذي حصر إدارة التغيير في سائقي المركبات وبالقوة المالية (الغرامات) يجب أن يتحول من مشروع حكومة الى مشروع مجتمع يطالب بتطبيقه، ولتحقيق ذلك التحول لابد من إحداث تغيير كلي في الفكر الذي يدير مشاريعنا ومن جهات متعددة، خاصة وان (ساهر) يختلف عن مشاريع الدولة الأخرى باعتبار أن نجاحه يرتبط بجهات متعددة وأن الدولة لم تتحمل تكاليف المشروع لكونه ينفذ بطريقة البناء والتشغيل ومن ثم تحويل الملكية للدولة (BOT) ومع شركات ستسترد التكاليف وعوائد الاستثمار بحصولها على نسبة من إيرادات المخالفات خلال مدة محددة لذلك. ويأتي تطبيق (ساهر) في وقت بلغت فيه الفوضى المرورية مستوى لايمكن تصديقه، فلم ينحصر قطع الإشارة والسرعة المتهورة في شباب مراهقين، بل أصبحنا نشاهدها على مستوى كبير ومن أجانب يسارعون على قطع الإشارات بشكل صريح ومنهم سائقي أجره وحافلات.. كما انه في الجانب الآخر (ساهر) يضبط مخالفات أخرى كتجاوز السرعة والوقوف على خط المشاة وعدم التوقف الكلي عند الانعطاف على اليمين و.. على الرغم من أن شوارعنا تفتقد لمتطلبات تطبيق (ساهر) على الوجه الصحيح لكون الأمر لايتعلق فقط بقائد المركبة، فقبل تعميم ضبط تلك المخالفات يجب أن يشمل التغيير فكر الأمانات والبلديات للإسراع في تهيئة جميع الطرق والشوارع لدعم (ساهر) ومنها مواقع تركيب الإشارات في أماكن مناسبة وقبل خط المشاة لمساعدة قائد المركبة على الالتزام بالنظام وليس تصيد الأخطاء! كما أن هناك أهمية لتطبيق الهندسة المرورية على طرقنا وبعيدا عن اجتهادات أفراد المرور، والملاحظ أيضا عدم وجود لوحات تحديد السرعة على معظم الشوارع وفي حال وجودها فإنها ليست وفق الطرق العالمية المتبعة وخصوصا بعد كل مدخل للطريق السريع ويجب تحديث لوحات السرعة لتصبح المخالفات مقنعة للجميع! ولذلك يجب أن يراعى بالمرحلة الأولى لتطبيق (ساهر) الخاص بضبط المخالفات إعطاء الأولوية لمخالفات السرعة العالية وقطع الإشارة الصريح وبحيث لايعتبر تجاوز خط المشاة او عدم الوقوف الكلي قبل الانعطاف يمينا كقطع الإشارة الذي لايقارن بأي مخالفة أخرى، فتأجيل ضبطها لحين تهيئة جميع الشوارع فيه تأكيد على إنهاء فوضى تجاوز الإشارة الحمراء، وتكرار حصول الابن او سائق الأسرة والشركة على مخالفات بمسمى قطع إشارة وهي ليست قطعا للإشارة المتعارف عليها سيتسبب في تخفيف أثرها وربما التذمر من تشدد (ساهر) والتسبب في تعطيل الأعمال في وقت يشاهد فيه الجميع قطع الإشارة لعدم اكتمال تغطية كاميرات(ساهر) لمعظم الطرق والإشارات! فإدارة التغيير تتطلب أيضا تغييرا في ثقافة رجال المرور بان (ساهر) ليس لرفع الإيرادات مثل الحملات المرورية التي يطلق عليها "كمين استفزازي" عند تخفيض وقت الإشارة الخضراء عن الوقت المعتاد لزيادة عدد المخالفين وهو أمر لم يرض عنه مسئولي عمليات المرور، لكون الهدف ليس القضاء على دفتر المخالفات! وإذا كان هناك من يرى في ارتفاع عدد المخالفات التي يتم ضبطها نجاحا لبرنامج (ساهر) فان ذلك سيعتبر- بعد عدة أشهر- فشلا للبرنامج لكونه لم يحقق الهدف برفع مستوى الوعي والحد من الحوادث التي لن تنخفض مادام أن المخالفات في ارتفاع، ولكن قد يكون انخفاض إيرادات (ساهر) مؤشرا على النجاح في تصحيح سلوكيات قائدي المركبات! ولذلك لابد من تضافر الجهود لإنجاح (ساهر) حتى لانبحث عن مشروع جديد لاستثمار الفوضى المرورية!