يسرك دون شك أن تدخل حدود أي بلد وأنت موظف في إدارة تتبع لبلدك، وإن كانت الخطوط السعودية تفضل توظيف أبناء البلد التي هي فيه، وهذه خصوصية سلبية.. جهات العمل الأخرى كالسفارات تأتي بالمواطن إلى مواقع عملها.. أو أن تكون طالب ابتعاث نحو ما هو أعلى من المرحلة الجامعية.. أو رجل أعمال تأتي لتفيد أو تستفيد، أو أن تكون سائحاً تتبارى على كسبه هو وغيره الكثير من مجالات الازدهار.. ما علينا.. المهم أنك لا تتسلل لتبحث عن عمل أياً كان نوعه مثلما يفعل الفقر العربي بكثير من مواطني المجتمعات العربية الذين يتعرضون لمخاطر كثيرة أكثر مما هم يجدون فرص العمل، أو إذا عزفت عن المغامرة فإن في الداخل ما يغريك بأن تكون طرفاً يسلب أو يقتل ضمن التحزبات المختلفة الهوية والعاملة على نشر الصراعات الدموية في عدد من مجتمعاتنا العربية.. هذه الرؤية في تميزك يقولها لك كل بلد تدخله.. تجاذبني هذا الهاجس وأنا أتأمل تعدد مظاهر الترحيب وتنوع الاجتماعات التي امتلأت بها زيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز للهند ثم جرز المالديف.. ازدحام لحفاوات في الهند أعاد صور مناسبات كثيرة.. أعاد حالات حضور للأهمية السعودية في مواقع فردية ليست لها مناسبات.. اجتماعات الأمير سلمان شملت رئيسة الجمهورية ونائبها، رئيس الوزراء، وزير الخارجية، رئيس مجلس النواب أو الأعيان.. ثم جامعة الدكتوراه الفخرية ثم حفاوة مواقع الحضور السعودي.. قابلت الأستاذ ذكر الرحمن وهو مسؤول سياسي وأعرفه من وقت سابق وفوجئت به مبتهجاً يقول لي: إنهم هنا يحترمونكم لنوعيتكم وأهميتكم، دائماً أتحدث عنكم وسعيد أن أحضر حفل هذه الدكتوراه الفخرية.. قلت له: طبيعي أن تكون الهند الصاعدة إلى أهميات دولية مرموقة يهمها أن تتعاضد مع دولة مثلها تصعد إلى تلك الأهميات.. الأمير سلمان تجتمع فيه صفتان ليس من السهل توفرهما معاً.. فهو رجل دولة ورجل مجتمع.. فلم يسعَ إلى اختصار تلك اللقاءات العديدة في زمن وجيز والتي لم أذكر منها إلا ما بقي في ذاكرتي، ولكنه وعبر الاحترام المتبادل أدى مهمات العمل المتلاحقة بما هو معروف عنه دائماً من حيوية حضور وحوار.. ومع أن الهند متعددة الثقافات والأديان والعرقيات فإن شمولية الإدراك عند الأمير سلمان تؤكد لك بروز خصوصيته الثقافية التي تضاف إلى كفاءته الإدارية، لاسيما وأنه يملك تنوعاً في أبعاد المعرفة في موضوعية لا تعطي خصوصية لأفكار معينة أو خصومة لأفكار أخرى.. إن بعض الأوساط التي هي قريبة التعبير عن ردود الفعل أوضحت إيجابياً أهمية أن تقطع الهند عبر حوار اللقاءات مسافات التقارب المطلوبة مع المملكة، ليس ضد أحد كما هي بعض علاقات العالم الثالث، ولكن عبر تطوير مصالح مشتركة تدعم توجيه الدولتين نحو خصوصيات عالمية تلحقهما بالواقع الحضاري المتميز..