جميع إنسان القرى ، والأرياف التي تقع على وادي حنيفة سقاه الله سحابا ثقالاً خاليات من الرعد وكل سكان هذا الشريط المبهج والمفرح الذي يمتد كلوحة إبداعية محفزة على التأمل ، وقراءة التاريخ ، والإبحار في الذاكرة الوجدانية المحرضة على الفهم ، والغوص في معاني التكوين ، والتأسيس ، وفعل صناعة الهوية ، والانتماء ، والارتباط بالأرض، والشجرة ، والحكايا ، وأخلاقيات الصحراء ورموزها ، جميع هؤلاء وليس البعض لهم مخزون جميل وشهيّ من الذكريات مع وادي حنيفة ، هي ذكريات العمر في بدايات تحفزه لاقتناص اللحظات الرائعة ، وصناعة الفرح الذي يحوّل الكائن إلى حالة وجْد شفافة مغامرة ، ويذيبه عشقاً وتماهياً مع من أنبتتهم هذه الصحراء ، وتلك الشعاب التي هي روافد لوادي حنيفة ، وسجلوا حضوراً طاغياً في تعاطي العشق كفضيلة سلوك ، وممارسة إنسانية ، وهوية حياة وثقافة متسامحة، متصالحة ترى الجمال في كل الكائنات ، وفي فضاءات الكلمة المموسقة المسافرة بالآهات ، والحرمان ، والحنين للمكان، والتفاصيل ، واللغة . وفي الصورالمنحازة إلى الحب بوصفه وجوداً ، وتحرراً من كل أمراض السوداوية ، والتكهف، وفوبيا العقد من عمل العقل ، وتفجرإبداعه ، وتأثيره في تحول المجتمع إلى فضاء حب ، وتسامح. لقد كان لوادي حنيفة تأثير قوي على صياغة إنسانه، إن من حيث صقل ذائقته الموسيقية ، وتهذيب حاسة التفاعل مع النغم ، والصوت عبر " شيلات " السامري ، وإيقاعات " الطار " وصدى الأكف ، وخفة الأجساد التي تسبح متحررة من كل الأثقال ، راقصةً على صوت مبحوح يرحل بعيداً عبر الجبال ، والتضاريس ، والتكوينات . وإن من حيث تكريس المفاهيم المتطورة في التعاطي مع الآخرين بحميمية متميزة في أنماط وعيها ، بعيدة عن الشكوك ، وسوء الظن ، والمحاكمات على النوايا . وإن في تعاطي الفرح بأبهج وأروع مايكون الفرح في " فياض " الوادي عبر ليالي السمر وما فيها من مغامرات ، وجنون ، ودهشة ، وامتلاك لشلالات الرغبة ، وجوع التحفز إلى الانتصار ، والتماهي مع المغامرين الأوائل من بطل وادي النساء في الرس امرئ القيس " ويوم عقرت للعذارى مطيتي " . الى الحجازي ابن أبي ربيعة، والصوت الناعم الواله الجائع . " قالت الصغرى: وقد تيمتها قد عرفناه ، وهل يخفى القمر ؟ " لقد صاغنا وادي حنيفه ونكرر . " وديارنا اللي في ملاقي شعابه يرجع لها عقب الشهابه ، عشيبه " قلنا : إن هذا الوادي وإيحاءاته ، ومحفزاته ، وغواياته أثرت في صناعة ، وصياغة ، وتكوين أجيال ، ولا زال الحنين إلى امتدادات سحره يفيض كما آهات حبّ اغتيل . غير أن عاشق الرياض ، ومعشوق نجد البدوي الرائع الانسان الجميل سلمان بن عبدالعزيز قد أعاد إلى وادي حنيفة وهجه ، وروعته ، وجماله ، وذاكرته فصاغه لوحة مدهشة وحوّله إلى ذاكرة زمان ومكان ، ليعيد التاريخ نفسه . شكراً سلمان .. لقد أيقظت الحنين .