قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    الجبير يشارك في حفل افتتاح مؤتمر رؤساء حكومات مجموعة الكاريبية (كاريكوم)    الذكاء الاصطناعي.. هل يتفوق على تقارير الجراحين الطبية؟    هل ستخف حدة حرب التجارة الدولية؟    "السهلي"تهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة يوم التأسيس    امسك حرامي «المكالمات الفائتة فخ» .. احذر    «الغالي ثمنه فيه»    «حديث المنتدى»:9 جلسات تتناول التخطيط الإعلامي وتأهيل الكوادر    هل رجحت كفة «المُترجَم» بالعربي؟    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    مُرهق عاطفياً؟ هذه الطرق تساعدك على وقف استنزاف مشاعرك    5 عادات تبدو غير ضارة.. لكنها تدمر صحتك    القوات البرية والجيش الأميركي يختتمان مناورات «الصداقة 2025» بالمنطقة الشمالية    ثلاثة قرون .. السعودية شامخة    علاقة وثيقة بين المواطنين والقادة    هالاند يسابق الزمن للحاق بمواجهة ليفربول    افتتاح نادي الطيران في الرس    انطلاق النسخة السادسة من بطولة كأس السعودية 2025 لسباقات الخيل    فريقا جامعتي الملك سعود والإمام عبدالرحمن يتأهلان لنهائي دوري الجامعات    مشعل بن ماجد يعزي بن زقر في فقيدهم    عم إبراهيم علوي في ذمة الله    شخصيات اجتماعية ل«الرياض»: يوم التأسيس ذكرى تجسد الوحدة وتُلهم الأجيال لصنع المستقبل    نفخر بهويتنا ونعتز بقيادتنا    تاريخ امتد لثلاثة قرون من الأمجاد    مبادرة كنوز السعودية بوزارة الإعلام تطلق فيلم "ليلة الصفراء" احتفاءً بمناسبة يوم التأسيس    وطن الأمجاد    يوم التأسيس.. رؤية مستقبلية بقيادة رشيدة    توقيع عدة اتفاقيات تعاون    أمير القصيم يكرم النومسي في عدة مناسبات    الديوان الملكي: وفاة الأميرة العنود بنت محمد بن عبدالعزيز آل سعود    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    مصافحة السلام في أرض القرار    «شعبنتوا» ولا لسه ؟    درس في العقلانية الواقعية    ألا يحق لنا أن نفخر ؟    تعليم جازان يحتفي بيوم التأسيس تحت شعار يوم بدينا    مستشار الأمن القومي الأميركي : ترمب مُحبط من زيلنسكي    وزير الصحة يتفقد جاهزية المنشآت الصحية في مكة    جولة يوم التأسيس : الرائد يتغلّب على الرياض بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    شقيق سعيد الصبحي إلى رحمة الله    وزارة الخارجية السعودية تعرب عن تضامنها مع دولة الكويت    وزيرا خارجية السعودية والصين يلتقيان في جوهانسبرغ    رئيس البرلمان العربي يستقبل وفد منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني    محافظ الطائف يهني النقيب الشمري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    بلدية محافظة الشماسية تستعد للاحتفال بيوم التأسيس    أكثر من 5 ملايين مُصلٍ في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    القبض على إثيوبي في جازان لتهريبه (17) كجم "حشيش"    الدكتور المسعود والدكتور الصميلي وجهان مشرقان للتاريخ السعودي    أكثر من 4 آلاف مبادرة لكفاءة الإنفاق في الجهات الحكومية    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعتمد 62 برنامجًا أكاديميًا    نائب أمير الرياض يرعى الحفل السنوي لجمعية كيان للأيتام    «الشؤون الإسلامية»: البرنامج يستهدف 61 دولة    إرهابيون من 50 دولة على حدوده.. والملف مسؤولية دولية.. العراق يطالب دول العالم بسحب رعاياها من «الهول»    الطائف تودع الزمزمي أقدم تاجر لأدوات الخياطة    مستقبل السعودية.. جذور متأصلة ورؤية متمكنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللعب بساحة المزايين.. عودة إلى مكانة الإبل في غير محلها
من قلب الصحراء
نشر في الرياض يوم 20 - 04 - 2010

أكثر ما يعرف عن الشاعر محمد العوني قصيدة (الخلوج) التي قالها قبل أكثر من مائة عام، حيث استخدم حنين الناقة في مطلع قصيدة مؤثرة، وكان دافعه استنهاض همم أبناء منطقته من الذين تغربوا سعيا وراء لقمة العيش في الشام والعراق، وتحريك مشاعرهم الوطنية للعودة، في وقت غابر قبل توحيد المملكة عندما كان الوطن لا يتجاوز بقعة أرض ضيقة في مناخ سياسي مضطرب، تتجاذبه نزاعات قبلية مستعرة بقيمها الجاهلية.
والعوني في عصره يوظف الرمز توظيفا ذكيا حينما رمز لمنطقته بالناقة التي فقدت صغيرها (الخلوج) في وقت لم يكن مستغربا أن الإبل الكائن الساكن في وجدان أبناء الجزيرة العربية، فهي سابقا مصدر رئيس للغذاء والكساء، والوسيلة الوحيدة التي تحملهم وتتحمل مشاق مسافات الترحال، والسانية التي يخرجون بواسطتها الماء، والقافلة التي تجلب عليها المؤن، والمغنم الذي يسعى المغيرون إلى (كسبه)، والثروة التي ينفر للدفاع عنها كل أفراد القبيلة، فلا غرابة أن تكون (عز لأهلها) وبخاصة أن القوة وقتذاك كانت تقاس بما تملكه القبيلة أو الجماعة من الإبل. ومن قصيدة العوني قوله:
خلوج تجذ القلب باتلى عوالها
ترزم بعبرات تحطم اسلالها
له أنا قلت يا ناق كفي من البكا
لا تبحثين النفس عما جرى لها
ثم يمضي في بث همه إلى أن قال عن أحوال ديرته:
دار بنجد جنة كان قبل ذا
ومن صكته غبر الليالي عنا لها
هي أمنا وا حلو مطعوم درها
غذتنا وربتنا وحنا عيالها
برور بنا ما مثلها يكرم الضنى
وصول بنا لكن نسينا وصالها
تلقى علينا الجوخ والشال فوقنا
وهي عارية تبكي ولا أحد بكى لها
قلت آه وا ويلاه يا خيبة الرجا
كيف أمنا تهضم وحنا قبالها
محمد اليوسفي
والقصيدة طويلة ومشحونة بالعزاوي، ويروى أن الشخص المرسل لما قالها في أحد الميادين العامة في الشام تنادى الرجال الموجهة إليهم يدفعون بعضهم إلى ترك تجارتهم وأعمالهم فكانت العودة والدفاع عن الوطن.
مثل هذه المرويات الموثقة مقبولة بدلالاتها حين نستعرضها كنماذج في سياقها التاريخي، لكن من الجهل البقاء على قبول الرمز فالوطن الآن أكبر برجاله وتاريخه ورموزه ومقدراته ومكانته ومستقبله.
لا أظن أن أحدا يطالب باعتبار الإبل ثروة حيوانية غير هامة، ولا أحد يستطيع مصادرة حق من يملك المال ويطرب لاقتناء (منايح أو أصايل) ينتفع منها وينتشي عندما تستعرض أمامه في أطراف القرية أو مزرعته أو المراعي العامة، حتى مهرجانات مزاين الإبل أيضا مقبولة في إطار كونها ميدان لموروث وثروة يمكن أن تدخل في ألوان النشاط السياحي، هذا إذا غضضنا الطرف عن طرح بعض الكتاب والمثقفين الذين ينظرون إليها كساحة لترسيخ العنصرية، ولا أظن أن أحدا بمقدوره كبح رغبات (المليونيرات) في التملك وصرف الملايين من أجل شراء (النجايب)، أقصى ما يمكن أن يقوله من تأكد من حقيقة أن هناك صفقات بعشرات الملايين لعدد محدود من الإبل: وللبطرانين فيما يعشقون مذاهب! ولا تثريب على مستثمرين أذكياء دخلوا السوق وتلبسوا هوس حب الإبل تصنعا واستفادوا تجاريا بشطارتهم حتى لو حاول بعضهم إقناعنا أن صفقات الملايين في الإبل دافعه الحب والمحافظة على الموروث، مثله مثل تعلق أفراد من مجتمعات أخرى بالفن وعدم ترددهم في صرف عشرات الملايين على لوحة قديمة لا فرق - بنظره - بينها وبين اللوحات التي تباع في محلات! (أبو ريالين) أسوأ ما يرى المشاهد مؤخرا المجاهرة بأدبيات تجاوزها العصر تجلب من مقابر التفاخر والتباهي القبلي الممقوت. ساعات بث بعض مما يعرف بالقنوات الفضائية الشعبية لا زالت تخصص ل (إعلانات) عبارة عن عرض أمام الكاميرات لإبل فلان ومنقية علان مع قصائد في ملاك الإبل (يعلن) عن أسمائهم والقبائل التي ينتمون إليها، وكذلك الشاعر الذي نظم القصيدة والمنشدين وهم غالبا شعراء ينتمون لنفس قبيلة المالك. إلى هنا والأمر عادي أو بمعنى أدق ليس فيه تجاوزات ظاهرة، أما أن تردد على أسماعنا قصائد في هذا الجو القبلي فيها أن الإبل (جت بالدم الحمر) (ودونها عطيبين الضرايب)، (وفلان جابها بمرهفات الحدايد) فهذه دعوة سافرة إلى العودة إلى زمن الجهل والظلام.
ألهذا الحد وصل التفاخر؟ ألا تلقى هذه الأدبيات الجوفاء بظلالها وترسخ مع تكرارها في أذهان الجهلة ومراهقي القبيلة؟ ومن يضمن أنها لن تنعكس على تصرفاتهم وسلوكياتهم؟ ولماذا تبرز الشعارات ورموز الأرقام التي تدل على القبيلة؟ وهي أرقام توضع على السيارات لدى فئة المراهقين لم تظهر إلا في السنوات الأخيرة.
أليس ذلك نتاج ممارسات غير منضبطة ممن لا يفرقون بين أحاديث المجالس والسمر وبين الظهور أمام الناس في وسائل الإعلام. الأسوأ، همس يسري في الخفاء في أوساط المهتمين بنشاط تلك القنوات مفاده أن بعضها يدار على أنها أصوات لقبائل بعينها، إما بتوجيه مالكها وإما العاملين فيها، هذا لعب بالنار في ساحة تركت لغير أهلها. ماذا لو دخل على خط الاستثمار في القنوات الشعبية في هذا الجانب السلبي مستثمرين من بعض الدول المجاورة؟! قد تُفقد إمكانية السيطرة فيما بعد.
لا أدعو إلى الوقوف ضد ما يعرف بالقنوات الفضائية الشعبية، فهي لا تخلو من الجوانب الايجابية في برامج تعرّف بالموروث وتبحث في الثقافة الشعبية وتسلط الأضواء على أعلام تناستهم القنوات الرسمية والصحافة، وأدرك أن القنوات كنشاط يوفر وظائف للمواطنين ولو بشكل محدود فضلا عن أن أصحابها (يسترزقون) من وراء استمرارها. أتصور أن المشكلة ليست في مزاين الإبل كتنظيم بقدر ما أن هناك خطأ في الممارسة من قبل ملاك الإبل والمطبلين لهم في بعض القنوات الفضائية الشعبية.
أعتقد أن المنع والرفض والإلغاء ليس هو العلاج الناجح، إذا لم تضبط ممارسة هؤلاء، فالحل تحويل مهرجانات المزاين إلى نشاط محدود يأتي على هامش فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.