ربما المزيج في تكويني الأسري، من أب بدوي وأم حضرية، ساعدني على تجاوز الاصطفاف والتنازع بين البادية والحاضرة. فلست مأخوذاً بالقبيلة والاعتزاز بها، ولا بالتقوقع في مسقط رأس والدتي وانتمائها. ولذا لا أتحمس إلى شاعر "حربي" يشارك في مسابقة، ولا أحتفي بوظيفة مرموقة ينالها مواطن من شقراء. في الحالتين، كل يمثل نفسه أولاً. وخلال الأيام الماضية، كنت متابعاً لنشاط نائب وزير التربية والتعليم، السيدة نورة الفايز، في محافظة شقراء. رعت حفلين لأسرتين في المحافظة، وللتفصيل وتجاوزاً للحساسية الريفية؛ حفل في مدينة شقراء وآخر في أشيقر. حفل للمتفوقات ولحافظات القرآن الكريم، وآخر جائزة أسرية خاصة. الرعاية عمل جيد ويسعد، من جهة تشجيع الوزارة للأنشطة وللفعاليات الداعمة للتعليم وللتفوق. وشقراء موطن أمي، وإحدى الأسرتين الراعية لجائزة التفوق من أبناء عمومتها، بمعنى في مرتبة أخوالي. ولكن في شأن أعمامي، ماذا يمكن أن تقدم السيدة نورة الفايز؟ لا أعلم إن كانت السيدة نورة ستقبل دعوة تأتيها من قرية القوارة في القصيم، أو من وادي الفرع في المدينةالمنورة، لترعى جائزة تعليمية، وأكون بذلك قد كسبت الرعايتين من الجانبين (والدي ووالدتي). هنا، لست في موقف معارض لرعاية الجوائز الأسرية، حتى وإن كانت عائدة لأسر مرتبطة عائلياً أو إقليمياً بشخص المسؤول الراعي. كما لا أظن في طرحي أي موقف عنصري تجاه إقليم أو أسرة أو شخص المسؤولة. فأولاً وأخيراً، هي أسرة أمي وإقليمها. ولكني أفكر في الزاوية الأخرى من الصورة؛ مشاعر الأسر الأخرى الناشطة في إقامة جوائز مماثلة في أقاليم أخرى، أو في صورة أوسع، القبائل وتفرعاتها. فالجميع يطمح برعاية رسمية لأي نشاط صغير. وما دفعني للحديث اليوم عن قصة عرضتها الصحف، ومزجتها في جانبي الشخصي، الحالة الاقليمية والمناطقية والتعصب الأسري والقبائلي، المتزايد في تفشيه، رغم العوامل المدنية والحضرية المضادة لمثلها. وربما أتذكر اليوم إعلاناً صحافياً-نشر قبل عام- يهنئ صاحبه فيه مجموعة صغيرة من ضمن قائمة كبيرة للمعينين في مؤسسات الدولة بمراتب عليا، وقد اقتصرت مجموعته على أبناء مدينته. أحسن الظن بالسيدة نورة الفايز، وأجنب عنها لوثة المناطقية. وحسب ما يصلني أنها لا تبالي بهذا الشأن، ولذا أجد أن الفرصة قائمة لأسر عدة من جازان إلى تبوك، طولاً وعرضاً، لدعوتها بالمشاركة في أنشطتها السنوية. فهل فتحت المسؤولة الباب على نفسها؟!