في كتابه الجديد "حراثة المفاهيم: الثقافة الزراعية والشيتية والفلسفة في كتاب الفلاحة النبطية" يتطرق الكاتب والناقد العراقي سعيد الغانمي إلى كتاب "الفلاحة النبطية" لمؤلفه قوثامي الكسداني، والذي يعود تاريخ تأليفه – كما يرجح الغانمي- إلى القرن الثاني بعد الميلاد، وقد نقل الكتاب إلى العربية أبا بكر بن وحشية في أواخر القرن الثالث للهجرة. يتطرق الغانمي إلى التاريخ والأفكار والفلسفات التي نُثرت في كتاب يتحدث عن الفلاحة والنباتات بشكل رئيسي، لكن استطرادات الكاتب شملت صراعات دينية، وأحداثا تاريخية، وشذرات فلسفية، يستخلصها الغانمي ويطرح من خلالها رؤية قوثامي الكسداني للثقافة الزراعية والفلسفة الشيتية. يركز الغانمي على الصراعات التي كانت دائرة بين الشيتيين ورؤاهم الخرافية، مقابل محاولات قوثامي الكسداني انطلاقاً من فلسفته الرواقية أن يعقلن هذه الخرافات نسبياً أو يرفضها، كما يشير قوثامي إلى خطر الأفكار الشيتية على الحياة وعمارة الأرض، حين يدعون للزهد في الدنيا وترك العمل فيها، مما يصد الناس على الزراعة ويؤدي إلى فساد الكون. كما يشير الغانمي إلى الالتباس الذي وقع فيه المترجم ابن وحشية في فهم حقيقة التوحيد الذي يدعو إليه قوثامي الكسداني، فظنه كالتوحيد في الديانات التوحيدية الثلاثة، بينما يشير الغانمي إلى أن التوحيد لدى الكسداني هو "التفريد" كتحديد إله متعال يكون "إله الآلهة" لا بتوحيد "الله" الخالق. ويتطرق الغانمي إلى آراء المستشرقين حول كتاب "الفلاحة النبطية" وكونه كتابا منحولا ومزيفا قبل الإسلام بقليل، ولا يتنمي إلى العصر الهلنستي، فيؤكد الغانمي على أن المحتوى الديني والثقافي للكتاب "يحتفظ بوثاقته التاريخية"، ويضيف بأن " معرفته تتعدى بكثير أفق التوقع المنتظر من الثقافة الإسلامية والمثقفين المسلمين". ويتطرق الغانمي بالتفصيل إلى بعض الشخصيات الواردة أسماؤهم في كتاب "الفلاحة النبطية" من أنبياء وحكماء وفلاسفة وآلهة، كدواناي، وصغريث، وينبوشاد، وأدمي، وأشيتا، وماسي السوراني، وأخنوخا، وأنوخا، وإبراهيم، وأسقلبيوس، كشخصيات تعبر عن تلك الحقبة التاريخية، وصراعتها. يقع الكتاب في 224 صفحة من القطع المتوسط، الطبعة الأولى 2010م، عن منشورات الجمل.