في مجتمعنا الإنساني الكبير يعيش إلى جانبنا ومن «لحمنا ودمنا» نساء ورجال وأطفال.. ولكننا لا نشعر بوجودهم وكأنهم أصبحوا في عداد الأموات، إلا من رحم ربي منهم.. وهم مازالوا أحياء والبعض الآخر ينتظر الموت بفارغ الصبر كي يتخلص من جحود وتنكر الأهل والأبناء له.. وأصبح يعيش في عالم الغيبوبة التي يتمنى أن لا يفيق منها على الواقع المرير من عقوق الوالدين وقطع صلة الرحم. مستشفى الظهران من الخارج توفيق الفخراني إنهم آباؤنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا ومنهم أبناؤنا المرضى طريحو الفراش من كبار السن والمعاقين، بسبب الحوادث المرورية المؤلمة التي سرقت منهم زهرة شبابهم..هؤلاء نسيهم ذووهم أو تناسوهم وتخلوا عنهم بعد أن قيدهم المرض على السرير الأبيض وفتكت بهم الإعاقة وأصبحوا عاجزين تماماً عن خدمة أنفسهم، وليس الكل تخلى عنه الأهل، بل البعض وهم الأغلبية من قساة القلوب الذين فضلوا الإلقاء بوالديهم أو أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم الذين كانوا هم السبب في دخولهم في هذا المستشفى بعد وقوع حوادث مرورية ونسيانهم في المستشفيات ودور النقاهة متجاهلين كل الحقوق والواجبات تجاههم، ومتناسين تحذير ديننا الحنيف من الوقوع في العقوق وقطع صلة الرحم، مما أثر على وضع هؤلاء المرضى نفسياً، وجعل الكثيرين منهم عاجزين عن الاستجابة للعلاج ويتمنى الموت ليهرب من الواقع المؤلم.. "الرياض" زارت مستشفى الظهران العام الذي يعد من أقدم مستشفيات المملكة في تقديم الخدمات الإنسانية والطبية وبمهنية عالية، ويضم نخبة مميزة من الكوادر الطبية والتمريضية ممن نذروا أنفسهم لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف فئاتهم العمرية، وأصبحوا يعيشون في المستشفى كأسرة واحدة يغلفها الحب والتواد وسمتها الرحمة بينهم.. طريح السرير منذ 25 عاماً "سالم الهاجري" الذي روى قصة نومه على السرير الأبيض بقوله: لقد كنت شاباً في مقتبل العمر؛ وكانت أحلامي تسابق الزمان في كل شيء، ولم يكن يدور بخلدي بأن نهاية أحلامي أن أفيق على حادث مؤلم يشل أطرافي الأربعة، حيث كنت في دولة قطر لزيارة بعض الأقارب هناك حينما وقع لي الحادث قبل "25" عاماً؛ وكان عمري آنذاك "19" عاماً، ونقلت بعد تلقي العلاج وإبلاغي بإصابتي بشلل رباعي، وتم نقلي لمستشفي الظهران العام لأقضي باقي حياتي سجيناً على سريري الأبيض كل ذلك كان بقدر الله على ثم بسب السرعة وعدم التقيد بأنظمة السلامة المرورية، فمنذ 25 عاماً وأنا حبيس السرير إلى يومنا هذا ولكن بفضل الله عز وجل لم يقيد المرض إرادتي التي تحدت الإعاقة بقوة الإيمان بالله واحتساب الأجر على الله فيما أصابني، وبمساعدة من المستشفى الذين استطاعوا تأمين وظيفة داخل المستشفى بقسم السنترال وبراتب 1200ريال "فترة مسائية". زواج يتحدى الإعاقة ويكمل سالم قصته مع السرير الأبيض بقوله: ربما الإعاقة سرقت مني حريتي وقيدت حركتي؛ ولكنها لم تسرق مني قوة الإرادة والإيمان بقضاء الله وقدرة فقد قضيت "25" عاماً على السرير الأبيض وخلالها زرت العديد من المستشفيات والجامعات لتقديم تجربتي مع الإعاقة برفقة فريق طبي معي، وقد منَّ الله عليَّ بزواج قبل أشهر بفتاة مشابهة لحالتي ولكن إرادتنا أكبر من إعاقتنا فهي تزورني باستمرار وأزورها في بيت أسرتها ونعيش أجمل أيام العمر، حيث أشبعت لدي الفراغ العاطفي ومنحتني كل الحب والتقدير ومنحتها كل عاطفتي. وأشار إلى أنه حصل على قرض مقداره "45" ألف ريال من بنك التسليف ويستقطع من راتبه الذي يتقاضاه من عمله في سنترال المستشفى وهو 1200 ريال، وبعد الاستقطاع يبقى له القليل الذي لايفى بقضاء اقل متطلبات الحياة؛ وخصوصا بأنه مسؤول عن زوجة..!!. أحلام لم تلامس الواقع وبيَّن الهاجري بأن حلمه بأن تهيئ الدولة بتعاون مع أهل الخير من رجال الإعمال دوراً مخصصة للمتزوجين من ذوي الاحتياجات الخاصة تلائم وضعهم الصحي؛ ولو كانت عبارة عن سويت به غرفة نوم وغرفة جلوس وخادمة تقوم على شؤونهم ومساعدتهم على قضاء لوازمهم داخل البيت، وحلمه الآخر بأن يجد من أهل الخير من يهيئ له شقة العمر ليسكن بها مع شريكة حياته ويحس بأن له بيتا مستقلا بعد أن قضى 25 عاماً في المستشفى. وناشد سالم المسؤولين في بنك التسليف بإمكانية إعفائه من قرض الزواج نظرا لظروفه الخاصة ولضعف ما يتقاضاه من مرتب، ويأمل من وزارة الشؤون الاجتماعية بضم مرضى مستشفى الظهران العام في الضمان الاجتماعي ليستطيعوا مساعدة أسرهم بعد أن سرق منهم المرض حركتهم. 27 عاماً لم يزره أحد وبجوار غرفة سالم يرقد العم محمد الذي قضى بالمستشفى ما يقارب ال 27 عاماً ليس له من أحد يسأل عنه؛ فهو مصاب بشلل دماغي ولا يعرف أحداً، ويقوم على خدمته ورعاية شباب سعوديون تسلحوا بقوة الإيمان واستشعار عظمة المسؤولية أمام الله، حيث يقول أحد الممرضين نحن نتشرف بخدمة هؤلاء المرضى ونحتسب الأجر والثواب من الله بغض النظر عن أنه عملنا، حيث يحتاج منا كل مريض بأن نقلبه على السرير كل ساعتين كي لا يصاب بتقرحات سريرية ونعتني بنظافتهم الجسدية والاهتمام بمواعيد أكلهم وتناول العلاجات في وقتها بعد تخلي الأهل والأقارب عنهم!!. ابن يتنكر لوالده! وفي سرير مجاور للعم محمد يرقد أحد كبار السن في غيبوبة تامة من 12سنة، ولديه ابن تنكر له خوفاً عليه، حيث يروي لنا أحد المرافقين في الجولة بأن المستشفى اتصل على ابنه قبل خمس سنوات لطلب الحضور والتوقيع على بعض الأوراق الطبية وإجراء فحوصات وتحاليل لوالده فتوقع الشاب بأن المستشفى سوف يلزمه باستلام والده فقام بتغيير جميع عناوينه بما فيها أرقام هواتفه ولم يعد يعرف له عنوان ناسياً حقوق الوالدين وجاحداً فضلهما عليه!. دموع حارة! وفي غرفة مجاورة التقينا بأحد المرضى الذي فضَّل -عدم ذكر اسمه أو تصويره- ويعاني من شلل رباعي، وكانت عيناه مليئتين بالدموع، ويقول :لقد حرمت من الذرية، حيث وقع لي حادث في بدايات زواجي ومازالت زوجتي في ذمتي؛ وكل عيد يأتي للناس هو حزنٌ في قلبي؛ فأنا أريد أن أعيش مع زوجتي واقضي باقي العمر معها ولكن الظروف المادية حالت بيني وبينها، حيث تسكن في ملحق يصعب عليَّ الوصول إليه نظراً لوضعي الصحي والمادي وليس لي ضمان أو مساعدة كي أعينها على إيجار شقة في دور أرضي يجمعني بها، فهذي إرادة الله وأملي كبير بأن يكون هناك من يقرأ قصتي ويتعاطف معي في جمع شملنا أنا وزوجتي وتأمين لوازمي الطبية في شقة مستأجرة، وذلك بعد سنوات من البُعد والحرمان، حيث تزورني زوجتي باستمرار... المعاق من لا يستطيع ذكر الله! وفي احد الغرف التي زرناها يرقد الشاب حسن جبارة قبل "20" عاماً على السرير الأبيض إثر حادث مروري نتج عنه كسر في فقرات العمود الفقري، وكسر في العنق أدى لشلل رباعي، حيث تجده يتحدث بكل ثقة بالله ويحمد الله على كل حال، وقال: إن الإعاقة الحقيقة للشخص الذي لايستطيع ذكر الله، فقد قدمت تجربتي مع المرض للعديد من الشباب لكي لايكونوا ضحية الحوادث المرورية، وأعتبر نفسي بأن لدي رسالة وهي نصح إخواني الشباب في المجتمع باتباع قواعد السلامة المرورية، وما يخفف عني هو تواصل الأهل والأصدقاء بشكل يومي معي والإخوة في المستشفى لهم الشكر على كل ما يقدمونه لنا من رعاية واهتمام. الإعاقة دفعتني للابتكار "حبيب محمد" أصيب في حادث سير بعد اصطدام مركبته بأحد الجمال السائبة على الطريق، وكان يعيش حياته بكل سعادة وهناء، ومتزوج ولدية ثلاث بنات وزوجة، ويرقد على السرير الأبيض من 13 عاماً، ويذهب لزيارة أسرته أسبوعياً بمساعدة المستشفى، حيث استطاع ابتكار بعض الأدوات التي تساعده على قضاء بعض احتياجاته من رفع سماعة الهاتف وتحريك الكرسي الكهربائي وغيرها، ويزور إخوانه في المستشفى ويشارك في جميع برامج وأنشطة المستشفى. 45 حالة وتحدث مدير المستشفى توفيق بن مصطفى الفخراني، وقال: إن المستشفى يقدم كافة الخدمات العلاجية بحرص ومتابعة شخصية مستمرة من مدير عام الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية د.طارق السالم الذي يحرص على المشاركة والدعم المتواصل لجميع برامج وأهداف المستشفى بشكل خاص، حيث يتم توفير جميع وسائل الراحة للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة من الناحية الاجتماعية والنفسية والصحية والترفيهية وعمل برامج أسرية مستمرة لحث بعض الأسر في التواصل مع مرضاهم وعدم التضجر من زيارتهم أوضاعهم الصحية، مشيراً إلى توفير العلاج الطبيعي والتغذية، والتعاون مع المستشفيات المتخصصة مثل مستشفى الأمل بالدمام بتوفير طبيب نفسي وباحثين اجتماعيين وباحثات يهتمين بالقسم النسائي، لافتاً إلى أن عدد المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة من النساء والرجال 45 حالة يتلقون الرعاية الكاملة. وأضاف أن العلاج الاجتماعي وهو الأهم يتمثل بدمج المسن وذوي الاحتياجات الخاصة مع المجتمع، مؤكداً على أهمية التواصل مع هذه الفئة ودور المستشفى بتوفير قاعات للقاء المرضى مع ذويهم وإرسالهم إلى منازلهم لقضاء فترة هناك وتوفير الأدوية اللازمة لهم خلال فترة وجودهم بين أسرهم، ولكن من المؤسف بأن هناك حالات تنكر لها الأهل والأقارب منذ سنوات طويلة مما كان له السبب الرئيس في دخول بعضهم في حالة غيبوبة من سنوات!!. سيدة تنتظر رؤية أسرتها وأشار إلى أن في القسم النسائي حالات صعبة جداً وليست ببعيدة عن حالات بعض الرجال، حيث ترقد سيدة أصيبت بحادث مروري حينما كان عمرها "17" عاماً وأصيبت بشلل رباعي ولها على السرير الأبيض "26" عاماً لم يزرها أحد من أقاربها الذين يعيشون في الرياض، وآخر زيارة لها كانت قبل خمس سنوات ماضية. حبيب ابتكر بعض الأدوات ليساعد نفسه محمد لم يزره أحد منذ 27 عاماً مريض تنكر له الأبن وفضل العيش في غيبوبة حسن أثناء زيارة أسرته