إبراهيم القربي، هاني باحسن، تهاني العتيبي جدة، عبد الكريم المربع، هاني اللحياني مكةالمكرمة، فهد الرياعي أبها، خالد البلاهدي الدمام، افتخار باحفين جازان، أحمد العطوي تبوك، فهد الماضي تيماء كثير من الأسر تتخلى عن أبنائها في دور الأحداث والمستشفيات والتأهيل الشامل، إما بسبب عدم قدرتها على إعالتهم أو بسبب العار والعيب الاجتماعي والفقر. وأسر أخرى تبرأت منهم بسبب مخالفتهم لرأيهم الشخصي، حتى وإن كان هذا الرأي خطأ، أو بسبب خطأ ارتكبه الفرد فاستحق الطرد من المجتمع وأصبح يرى أنه مستحقر. وقد يدفع العنف الأسري الفتاة للبحث عن مأوى تجد فيه الاستقرار والمعنى الحقيقي للحب والحنان، مما يدفعها للدخول إلى عالم الجريمة وارتكاب الأخطاء، فيرفض الأهل استلامها للعار الذي ألحقته بهم أو صعوبة التعايش معها. صراع الميراث «عكاظ» رصدت العديد من الحالات لفتيات وأحداث ومرضى أصبحوا في عداد «المنبوذين» خلف الأسوار بعد أن تخلى ذووهم عنهم ورفضوا استلامهم. «أ. ع» (27 عاما) تقول: صدر أمر من المحكمة بإحالتي إلى دار الحماية حفاظا علي من إخوتي بعد خلافي معهم بسبب مطالبتي بإرثي، ولم يسأل عني أحد، وبعد ستة أشهر جاؤوا وأخذوني معهم إلى البيت وبدأوا يمارسون معي العنف والضرب وهربت من المنزل إلى بيت خالتي، لكن إخوتي قالوا إنني همت في الشارع، والسبب الصراع على الميراث. أبي تنازل عني وهذه فتاة من دار الحماية اسمها «أ. ص»، تعرضت للاغتصاب من أخيها عندما كان عمرها 12 عاما، وبعد مرور ثلاثة أعوام هربت من منزلها بعد أن رأت كل أساليب العنف في منزلها. تقول: توفيت والدتي وأنا صغيرة وتزوج والدي وارتمى في أحضان زوجته، وفي الثانية عشرة من عمري اغتصبني أخي الذي يكبرني بسنوات، وكان يهددني بالقتل والحرق إذا أخبرت أحدا بالأمر. هربت إلى جدة، وفي أحد أماكن التنزه تم القبض علي وأحالوني إلى دار الحماية للفتيات، وجاء والدي واستلمني ووضعني في غرفة مظلمة وأغلق الباب علي، واتبع معي كل أساليب العنف الجسدي، فلم أتحمل قسوته وهربت ثانية من فتحة جهاز التكييف ورميت نفسي من الطابق الثالث لأهرب من المنزل وأصبت بكسور، وتنازل والدي عني رسميا في المحكمة فتوجهت إلى دار الحماية، وأنا الآن أسكن في شقة من قبل الشؤون الاجتماعية، ولا أستطيع الزواج من أي شاب بسبب تنازل والدي، حيث لم يعد لي ولي أمر!. تخلي الأهل وفي تبوك، أجبرت ظروف الحياة محمد (80 عاما) على البقاء في المسشتفى بالرغم من التوصية بالخروج قبل عامين، والسبب أنه لم يجد مكانا يأوي إليه، فهو فقد عائلته كاملة في حادث مروري على طريق ضباءتبوك، دون أن يأخذه أحد من المستشفى كونه بحاجة إلى رعاية خاصة جدا ولا يستطيع أحد أن يتحمل وجوده لديهم. وسيدة تجاوز عمرها الستين عاما تقبع خلف أسوار منزل في ملحق خاص، تخلى عنها أبناؤها نزولا عند رغبات زوجاتهم، وأتوا إليها بخادمة تقوم على رعايتها، ويزورونها بين فترة وفترة ليس حبا فيها على حد تعبيرها ولكن لثروتها. وفي المنطفة الشرقية، يرقد 45 مسنا ومسنة في مستشفى الظهران العام للمسنين، مضت عليهم عدة أعوام وهم في نفس المكان، تمر عليهم المناسبات والأعياد وهم يتقلبون بين الأسرة والمرض والكبر، وتزيد في معاناتهم قلة زيارة ذويهم لهم. ويروي «م. ن»: أصبت في حادث مروري في العمود الفقري ونتج عنه شلل رباعي، ولي في مستشفى الظهران أكثر من 25 عاما. ويقول «س. ه» (47 عاما): عندما كنت في التاسعة عشرة أصبت بشلل رباعي في حادث مروري ومن يومها وأنا هنا، وقبل سبعة أشهر تزوجت من فتاة معوقة، هي عند أهلها وتأتي لزيارتي أحيانا. وفي أسفل جسر السليمانية في مكةالمكرمة يجلس الستيني عمران وحيدا، حكى عن معاناته قائلا: بسبب مرض الصرع لم أتزوج أبدا وأصبح كثير من أقاربي ينظرون إلي على أنني مختل ومريض، ووجدت أفضل مكان للاختلاء بنفسي هنا. فيما كان طاهر وهو مختل عقليا يطير بنظراته هنا وهناك وفي عينيه ألف سؤال وآلاف الكلمات التي يريد أن يحكيها عن حاله ومعاناته، لكنه لا يقدر. العجوز عباسة وفي جازان ما زال الناس يتذكرون العجوز عباسة التي بقيت تتنقل في الأحياء طيلة 20 عاما بسبب علتها من مرض نفسي، لكن هذه المرة تتنقل داخل مستشفى الصحة النفسية وبمساعدة الآخرين بعد أن فقدت بصرها. وفي تيماء وبسبب إصابة شقيق وأم مفلح (50 عاما) بمرض نفسي، يقضي مفلح يومه متنقلا بين الأسواق والشوارع وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة. مدير عام الصحة النفسية في منطقة جازان الدكتور إبراهيم عريشي قال: توجد في المستشفى 80 حالة، منها حالات لها 15 عاما وتزيد، وحالات أخرى تتعدى التسع سنوات والسنتين والثلاث، بعضها حالات مرفوضة من قبل ذويهم لأسباب اجتماعية مختلفة. مستوى الوعي المشرف على جمعية حقوق الإنسان الدكتور حسين الشريف، علق قائلا: ما يحدث لهؤلاء هي ظاهرة غير صحية وتشكل خطرا على المجتمع مستقبلا وينبئ بكارثة اجتماعية ربما تؤدي لكثير من الممارسات الخارجة عن نطاق الإنسانية، وسبق أن طرح الموضوع على طاولة مجلس الشورى والكثير من الجهات المعنية ذات العلاقة المباشرة لإيجاد الحلول المناسبة لها. الوصمة الجنائية ويؤكد مدير مركز المعاقين في عسير صالح الزهيري أن رفض بعض الآباء استلام أبنائهم من دور الملاحظة تحديدا، يأتي نتيجة ما يسمى بالتمرد الأسري من الابن على الأب، وهنا يطالب الأب بإبقائه في الدار، وأحيانا وبسبب خلاف أسري بين الأب والأم بعد انفصالهما يرفض الأب استلام الابن معتبرا الأم هي السبب في ضياع الابن وأنه أصبح عارا عليه بعد أن وصل إلى دور الملاحظة، وهي إسقاطات اجتماعية. ويضيف قائلا: بالنسبة لدور الفتيات فهناك ما يسمى بالوصمة الجنائية التي تلحق بالأب فيتنصل من ابنته ويرفض استلامها لأنها ألحقت العار به، وهناك أسر تهدد بذبح البنت لو خرجت من الدار فتضطر الدار لإبقائها إلى أن تموت داخل الدار حفاظا على حياتها. أما ذوو الإعاقات، فالإعاقة هي سبب رفض استلام الابن أو الأب، مضيفا أن معظم هذه الحالات معدمة ماديا، أما من كان يمتلك المال فورثته من أجل المال يسارعون لاستلامه. أحكام وجهل ويعزو الشيخ الدكتور عوض القرني عدم استلام الأهالي لذويهم وأقاربهم وأبنائهم ومن لهم صلة مباشرة بهم إلى الجهل وضعف الإيمان. فيما يعتبر العميد السابق لكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سعود الفنيسان رفض بعض الأسر استلام بناتهم اللاتي ارتكبن مخالفات كونها جلبت لهم السوء أو العار لسمعة العائلة، بأنه لا يجوز على الإطلاق، لأن ذلك يعتبر من أساليب الجاهلية وينطبق الحال على تعنيفها وتعذيبها أو قتلها بعد استلامها. نظرة قاصرة ويرى الاختصاصي الاجتماعي في أبها عبدالرحمن الشهري أن أسباب رفض بعض الأسر استلام أبنائها من دور الشؤون الاجتماعية أو المصحات النفسية، يرجع في الدرجة الأولى إلى ثقافة الشعور بالنقص في الأوساط الاجتماعية واعتبار هذا الابن أو الفتاة وصمة عار تطارده ويتحاشى الحديث عنها حتى في المجالس، وإن كانت هذه النظرة القاصرة تلاشت نوعا ما في الآونة الأخيرة بسبب ارتفاع الوعي لدى كثير من شرائح المجتمع إلا أننا نحتاج لمزيد من الوعي. خيبة أمل ومن جانبه، يرى الاختصاصي الاجتماعي حسين الشراري أن وجود حالات من نزلاء الأحداث أو في دور الرعاية والتأهيل الشامل لفترة طويلة تشعر النزيل بخيبة الأمل، وقد توصله إلى حد اليأس من خير المجتمع فيتحول ضده. من جانبه، قال الاختصاصي الاجتماعي عليان خضر العطوي في تبوك إنه لا يوجد تعاون بين المستشفيات ومراكز رعاية المسن في عملية قبول الحالات التي لا عائل لها أو التي ترفض استلامها تحت أي ظرف، موضحا أن وزارة الصحة لديها الآن برنامج (الرعاية الصحية المنزلية) لمتابعة الحالات المرضية من خلال الزيارات المنزلية مما يخفف العبء عن المستشفيات. ومن ناحيتها، طالبت الاختصاصية الاجتماعية في مستشفى الظهران العام للمسنين أمينة الكاظم بإيجاد مركز متخصص شامل بجميع الكوادر الصحية والأجهزة للعناية والاهتمام بهؤلاء لمعالجتهم نفسيا واجتماعيا وصحيا. رفض الأسر مدير إدارة المتابعة في الرعاية الاجتماعية في مكةالمكرمة عبد الله النمر قال: الرعاية الاجتماعية تولي هذه الفئات اهتماما كبيرا، فتستقبلهم وتحولهم للجهة المعنية بحسب اختصاصهم. ومن جهته، الباحث الاجتماعي ومدير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة سابقا إحسان طيب، قال: رغم إيماني أن دور الرعاية ليست هي الحل في استضافة البعض فيها، لكنني ومن خلال التجارب والواقع أجدها الأنسب للحالات التي يتنصل فيها البعض من مسؤوليتهم تجاه آبائهم أو أقاربهم، ورغم أنها غير كثيرة لكنها في حد ذاتها مؤلمة وسبق أن حاولنا إغلاق دور الرعاية ولكننا اصطدمنا بعقوق البعض لذويهم فأبقينا على دور الرعاية. تأهيل الوالدين في إطار الحلول المقترحة لحل المشكلة، يشدد استشاري الأسرة والطب النفسي الدكتور خالد باحاذق على أهمية إعادة تأهيل الوالدين لتقبل الفتاة وإن أخطأت. ويؤكد الاختصاصي النفسي الدكتور صالح عزت، الحاجة إلى الوعي في كيفية بناء المجتمعات على أسس قوية، تكفل وضع توعية الأسرة بأهمية التواصل مع مثل هذه الحالات وعدم تركها لمهب الريح. ومن جانبه، يرى المستشار الاجتماعي الدكتور علي الحناكي أن الحكمة تقتضي التعامل مع الفتاة ومشكلاتها كما يتم التعامل مع الفتى ومشكلاته، حتى لا تخرج عن السلوك القويم. ويضيف قائلا: إن عملية التسليم تتطلب تدخلا من قبل المختصين سواء كانوا من علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية والتربية أو علم النفس، بحيث يوضحون للأهالي أن يغفروا زلة الفتاة، وأن يتيحوا لها فرصة العودة، ويحتووها، والبحث عن احتياجاتها دون التعامل معها بشدة وغلظة حتى لا تصاب بالاكتئاب أو تهرب وتدخل عالم الجريمة والمخالفات. الرعاية اللاحقة وكشف مدير مستشفى الملك فيصل في مكةالمكرمة الدكتور أحمد خروبي أن من بين الحلول التي وضعتها الوزارة كتجربة ولم تكشف ملامح نجاحها حتى الآن، هو برنامج الرعاية اللاحقة الذي يعتمد على حصر المرضى الذين يتعرضون لنوع من التباطؤ من أسرهم في استلامهم بحيث ينتقل فريق التمريض والطبيب إلى منزل الأسرة لمتابعة الحالة وفق زيارات مجدولة للمرضى. من جهته، طالب مدير مستشفى الظهران العام توفيق بن مصطفى الفخراني رجال الأعمال والراغبين في العمل الخيري ببناء مجمعات سكنية للمعوقين وزوجاتهم لتلبية احتياجاتهم الصحية. ويرى المحامي والمستشار القانوني الدكتور عمر الخولي أن وزارة الشؤون الاجتماعية يمكن أن تلعب دورا مهما ومحوريا في إيجاد الحلول السريعة وتكثيف جهودها تجاههم. استلام بالطرق السلمية ومن الناحية الأمنية يؤكد العقيد مسفر الجعيد المتحدث الإعلامي في شرطة جدة تسليم الفتاة أو الشاب إلى أسرته بعد دراسة الرعاية الاجتماعية لظروف الأهل، فإن وجدت الظروف مناسبة لاستلامهم تصدر الأوامر من محافظة جدة والتوجيه للشرطة بإجبار الأهالي على استلام ذويهم بالطرق السلمية إما عن طريق العمد أو عن طريق الشرطة مباشرة، وإذا كانت ظروف الأهل سلبية فهي توفر لهم جميع التسهيلات التي من شأنها رعايتم وتوجيههم إلى المسار الصحيح. وأشار المقدم عبد الله بن ظفران الناطق الإعلامي المكلف في شرطة عسير إلى وجود تنسيق بين الشرطة والجهات الأخرى فيما يتعلق بتسليم النزيل لأسرته أو لولي أمره، وأن دورهم هو دور تنفيذي.