اثنان مليار ريال خصصت خلال سنة لصندوق تنمية الموارد البشرية للمساهمة في إنهاء مشكلة البطالة لم يستطع الصندوق أن يصرف منها سوى (460) مليون ريال، ولو طالب الصندوق بزيادة الميزانية إلى أربعة أو خمسة أو ستة مليارات لرحبت الدولة بكل سرور لضخ هذا المبلغ ما دام أن مشكلة البطالة المؤرقة ستنتهي والناتج القومي سيتضاعف، لكن الصندوق الذي لم يستطع صرف أكثر من (460) مليون ريال كيف سيطالب بميزانيات أخرى لا طاقة له بها، فالمبالغ ستبقى في خزينة الدولة وأعداد العاطلين في ازدياد ربما تجاوزوا نصف مليون عاطل. الخلل يتضح في قراءة متأنية لتقرير الصندوق عندما تكون الشركات والمؤسسات التي يتعاقد معها لبرامج التوظيف لا تتجاوز 1% من عدد السجلات التجارية المسجلة في وزارة التجارة ويتضح من خلال تركز الدعم في ثلاث مدن من مدن المملكة، حيث توجد الشركات الكبرى، ولهذا فالصندوق يستجدي هذه الشركات لتوظيف السعوديين فيها، ويفرح بأي عقد يبرمه معها. الصندوق بهذا يسير في طريق مسدود يفرز في النهاية إحصائيات لا يستطيع أن يفاخر بها، حيث التوظيف لا يبلغ نسبة تذكر من البطالة دون إحتساب أعداد التسرب التي تزيد الأمر تعقيداً فتبقى النسبة دائماً متدنية مهما بذل من جهود لإلزام الشركات بالتوظيف. إن السر في هذا الخلل ناشيء من إستراتيجية الصندوق في جعل الشركات والمؤسسات وسيطاً بينه وبين طالبي العمل ومن خلالها يتم دعم الوظائف وإغلاق الباب أمام التعامل المباشر مع الأفراد طالبي العمل، تماماً كما لو أن صندوق التنمية العقاري في قروضه المقدمة للمواطنين تعامل مع شركات المقاولات وليس مع الأفراد طالبي القروض، لا شك أنه لن يحالفه النجاح في ضخ هذه المليارات في شريان التنمية العقارية في شتى ربوع المملكة. قبل أكثر من أربع سنوات كتبت مقالاً في جريدة "الرياض" بعنوان هل يمكن إنهاء مشكلة البطالة في عامين ذكرت فيه بعض المقترحات التي أرى من وجهة نظري أنها قادرة بإذن الله على إنهاء البطالة بشكل كامل في عام واحد وليس في عامين. ذكرت في مقدمتها أن الوظائف الحكومية تستنزف ميزانية الدولة وأن اعتماد وظيفة حكومية واحدة تبدأ بمرتب أربعة إلى خمسة آلاف ريال مع الزيادة السنوية المستمرة خلال فترة العمل واستلام المرتب كاملاً في فترة التقاعد، هذه الوظيفة الواحدة تستهلك من الدولة أكثر من خمسة ملايين ريال واستحداث مائتي ألف وظيفة يستنزف من الخزينة أكثر من تريليون ريال فإذا علمنا أن معدل الإنتاجية للموظف الحكومي في سائر الدول لا يتجاوز 30% أدركنا أننا في هذه الحالة ننفق أكثر من سبعمائة مليار ريال على شكل ضمان اجتماعي. وذكرت أن حل مشكلة البطالة يكمن في الإنفاق السخي في توظيف العاطلين عن العمل في القطاع الخاص بشكل مباشر وبمدة لا تقل عن عشر سنوات، بحيث يستهلك المواطن المدعوم بمرتب ألفين ريال شهرياً قرابة فقط (مائتين وأربعين ألف ريال) من ميزانية الدولة تسدد من الرسوم المفروضة على القطاع الخاص في مجال الاستقدام. إن تعامل الصندوق المباشر مع الأفراد هو الحل السريع المؤثر، نعم يحتاج الصندوق إلى زيادة قدراته وفتح مكتب في كل مدينة من مدن المملكة وتخصيص مشرف لكل مائة فرد مدعومين من خلال الصندوق ومتابعتهم بشكل دقيق واستلام تقارير الأداء عنهم من الجهات التي يعملون بها كل هذا من الأدوات التي تجعل الصندوق قادرا على تحمل مسئوليته في حصر جميع العاطلين عن العمل وتوجيههم للعمل في القطاع الخاص. وربما يبدأ بتحديد الوظائف التي يرغب أن يشغلها السعوديون قبل غيرها فمثلاً وظيفة بائع والتي تمثل لب النشاط الاقتصادي يستطيع الصندوق أن يخصص مبلغ ألفي ريال شهرياً لشاغلها، ويشترط دواما لا يقل عن ثماني ساعات يومياً عند ذلك سيقبل الشاب السعودي العمل في بقالة الحي الذي يسكنه أو محطة البنزين المجاورة لقريته بمرتب خمسمائة ريال لأنه سيستلم شهرياً ألفين وخمسمائة ريال وسيكون منافساً للهندي والبنغالي وسيتم الإحلال بشكل تلقائي دون الحاجة إلى إغلاق محلات بيع الذهب والخضروات وتعطيل عجلة التنمية. ويدخل في وظيفة البائع كل من يقدم خدمة من الخدمات مثل محلات (السباكة،والكهرباء، والحدادة، والنجارة، والحلاقة، والمطاعم، والمقاهي ......... إلخ) بالإضافة إلى وظائف أخرى تجري دراستها واعتمادها (محاسبة، سكرتارية، سائق ليموزين، ساعي البريد ..... إلخ) وبهذا يتم الإحلال الطبيعي للسعوديين في مختلف التخصصات. ويمكن بذل عناية خاصة ومكافآت مضاعفة تصل شهرياً إلى خمسة آلاف ريال أو أكثر لبعض المهن الرئيسية المهمة مثل تشغيل المكائن المعقدة في المصانع المتقدمة وتوطين التقنية بيد الشباب السعودي، وكذلك يدخل في بند الدعم المباشر دعم المتدربين بالمرتبات السخية وهو بدوره يدفع قيمة التدريب بحيث يختار هو ما يناسبه من البرامج التي تؤهله لسوق العمل والمعتمدة من الجهات المختصة في مجال التدريب بمعنى أن يكون للصندوق مهمة واحدة فقط هي رفع مكافأة الشاب السعودي في القطاع الخاص وترك المهام الأخرى لجهات أخرى. هناك إشكال قد يطرحه البعض هل سيقوم الصندوق في هذه الحالة بدعم الأعداد الغفيرة التي تعمل في القطاع الخاص والجواب باختصار الأولوية ستكون للعاطلين عن العمل ومن ثم يقدم الصندوق خدماته لتوفير الحد الأدنى من الأجور بحسب طاقته مثل الآلية التي يعمل بها صندوق التنمية العقاري. هذا المقترح مع مقترحات أخرى مثل فتح المجال أمام التوظيف الجزئي في القطاع العام وبالذات في مجال التعليم [تقسيم الوظيفة إلى ثلاثة أيام ويومين في الأسبوع] وتشجيع الإنتقال من الوظيفة الكاملة إلى الوظيفة الجزئية وتوفير الوظائف الجزئية للعاطلين والعاطلات عن العمل وغيرها من المقترحات البناءة تحتاج إلى أن تعطى فرصة للتطبيق التجريبي المحدود ومن ثم دراسة الإشكالات المتوقعة التي ربما تكون متضخمة في الذهن وليست كذلك في الواقع. إن إحصائيات توظيف العاطلين عن العمل خلال السنوات الماضية توجب على مجلس إدارة الصندوق والمستشارين في رسم الإستراتجيات مراجعة قناعاتهم السابقة والاستماع لإطروحات الآخرين. هذا والله من وراء القصد والموفق لكل خير ،،،