هل تكون الاعانة هي الامل الأخير لهؤلاء الباحثين عن السراب . والسراب هنا هو العمل او الوظيفة التي اصبحت “عزيزة عليهم” وحلم يصعب تحقيقه ، ربما بسبب ما يعانيه الباحثون عن عمل من شروط تعسفية في القطاع الخاص الذي يفضل الوافدين . ورغم ان الاعانة المقترحة وهي محور نقاش حاد حاليا في مجلس الشورى لا تزيد عن 1000 ريال بحسب التوصية المقدمة الا ان تلك ال الريالات الالف لا ترقى الى ما يعانيه العاطل حاليا من هموم . والسؤال الذي يفرض نفسه : هل يتزوج العاطل ويأكل ويشرب ويلبي حاجة اسرته ب 1000 ريال شهريا ؟ . الجواب معروف مقدما . اذا نحن امام معضلة لن يحلها سوى تعاون الجميع لتوفير وظائف لهؤلاء العاطلين تلبي احتياجاتهم ويمكن بعدها الاستغناء عن تلك الاعانة التي لم يقرها مجلس الشورى بعد والتي من المنتظر ، في حال الموافقة عليها ان تكلف الدولة 6 مليارات ريال سنويا. وقد وافق مجلس الشورى على إضافة مادة جديدة لنظام العمل تتعلق بصرف إعانة شهرية للسعوديين من الجنسين العاطلين عن العمل المسجلين لدى وزارة العمل لفترة محددة أو حتى يجدوا فرص العمل المناسبة ، على أن يحدد المقدار والضوابط والشروط المحكمة في نظام أو لائحة تصدرها وزارة العمل بالتعاون مع الجهات المعنية ، وإحالة المقترح بعدها إلى لجنة الإدارة والموارد البشرية والعرائض لدراسته بشكل دقيق ، تمهيداً لتقديم تقريرها الموسع بشأنه في جلسة لاحقة لمناقشته بشكل مكثف واطلاع أعضاء المجلس عليه وثم التصويت على تنفيذ المقترح الذي شهد جدالا واسعا في أوساط المجلس في فترات سابقة. " المدينة " تقدمت بفتح الملف الساخن لمناقشة القضية وطرح آراء المتخصصين .. حيث أورد مقدم المقترح عضو مجلس الشورى المهندس سالم المري مسوغات لدعمه وإبداء المكاسب المتوخاة من الأخذ به ، ومنها تخفيف العوز والإحباط لدى السعوديين العاطلين عن العمل وحماية تماسك المجتمع ولحمته. ويرى المري أن العاطلين في ازدياد مستمر على الرغم من ارتفاع إيرادات الدولة وكثرة المشاريع الجديدة , مضيفا بقوله إن من يدقق في الوضع الحالي لسوق العمل يجد أن نتائج خطط توظيف السعوديين لا تزال دون الطموحات رغم ضخامة الأموال التي تضخها الحكومة سنوياً في سبيل تنمية الموارد البشرية ، وكثرة الأنظمة التي تحث على توظيفهم ومحاولات ضبط استقدام الأيدي العاملة الأجنبية . الإعانة ليست بديلاً للوظيفة واشار الى ان الإعانة خطوة مهمة لتنظيم سوق العمل وفيها حث للجهات المعنية على المتابعة وإيجاد الحلول للبطالة والجدية في تطبيق ما يتعلق بها من أنظمة بسبب الالتزام المالي الذي يلزم المعنيين بوضع الخطط والمبررات لأصحاب القرار مما سيؤدي إلى ضبط أعداد العاطلين عن العمل وتشجيعهم على إتباع الأنظمة التي تسنّها الدولة بما في ذلك إلزام المستفيدين من الإعانة على الالتحاق ببعض البرامج والدورات التي تراها الجهات المسئولة. وقال ان إعانة البطالة يمكن أن تستخدم كمؤشر اقتصادي للدلالة على الاتجاه الذي يسير فيه سوق العمل ، وكذلك تشجيع السعوديين على قبول الأعمال ذات العقود القصيرة. من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي خالد حمد السليمان أن صرف الإعانات للعاطلين ليست بدعة , مشيرا إلى أن غالبية الدول المتقدمة تعمل على صرف مثل هذه الإعانات ، وشدد السليمان على ضرورة تفهم العاطلون عن العمل أن هذه الإعانة لو أقرّت ليست بديلاً عن العمل والدخل الأساسي للفرد , وحتى لا تتحول البطالة إلى وظيفة ، خاصة مع تدني مرتبات بعض قطاعات العمل الخاص التي تستهدف الشريحة الأوسع من العاطلين مثل الحراسات الأمنية التي لا تتجاوز مرتبات أكثرها 1500 ريال فتصبح عندها إعانة البطالة أكثر جاذبية وإن كانت أقل من مرتب وارتباط وظيفة تمتص كل طاقات الإنسان بثمن بخس . المعارضون للاعانة ومع مطالبة بعض أعضاء مجلس الشورى بضرورة صرف إعانة للعاطلين عن العمل ، ظهرت أصوات مناقضة وترفض هذه الفكرة .. وقال الدكتور زين العابدين بري عضو مجلس الشورى للجنة الشؤون المالية أن المقترح لا يرتقي لطموحات المواطن السعودي الذي يعيش في أغنى بلدان العالم ، موضحا أن الاقتراح المقدم للدراسة نص على صرف بدل إعانة شهرية تصل إلى 1000 ريال في الشهر وفق ضوابط معينة ولمدة محددة, مشيرا إلى أن المبلغ المقدر شهرياً لا يكفي لمواطن لديه الكثير من المتطلبات وخصوصاً أن المستفيد الأول هي فئة الشباب ، قائلا : " هل 1000 ريال تفي بمتطلبات الزواج أو إيجار البيت (أو أقساط منزل جديد) أو أقساط السيارة أو الطعام والشراب أو متطلبات الحياة الأخرى. أنا أعتقد أن هذه الإعانة لا تكفي حتى لمصاريف بنزين السيارة وفاتورة التليفون. ولذلك رأيت أن هذا المقترح هو من أسوأ الحلول التي لا تعطي المواطن السعودي ما يريده بحق". ويرى الدكتور بري أن البديل يكمن في توفير العمل المناسب ، مؤكداً أن ما يقرب من ثلث سكان المملكة الآن هم من الوافدين ، وتواجد عمالة من معظم دول العالم يعملون في كافة المهن والتخصصات بلا استثناء وفي المقابل توجد بطالة في كافة المهن والتخصصات! ويؤكد بري أن نقطة الانطلاق حل مشكلة البطالة هي عبر الوقف التام للاستقدام في بعض المهن والتخصصات التي هي من حق المواطن السعودي أولاً وأخيراً. ولم يستبعد بري فيما لو أقرت توصية صرف الإعانة المقترحة ، أن يفتح الباب على استغلال الإعانة لمن لا يستحقها ، مبيناً أن لدينا من الأمثلة في كارثة جدة الأخيرة ما يدعو إلى توقّع ذلك. موضحا أن الإحصائيات الرسمية تقول: " إن عدد العاطلين عن العمل من ذكور وإناث يقترب من نصف مليون مواطن ، وهذه الإحصائية لم تأخذ في الاعتبار سيدات المنازل غير الباحثات عن العمل في الوقت الحاضر ، مع أن لديهن التأهيل الجامعي والثانوي والمتوسط ، وبالتالي قد يكن كذلك إذا ما تقرر صرف الإعانة وهذا قد يرفع عدد المطالبين بالاستفادة من الإعانة إلى أكثر من مليون . مفهوم المسؤولية الاجتماعية ويرى الدكتور سالم بن سعيد باعجاجة الأكاديمي الاقتصادي بجامعة الطائف أن المملكة تتزايد فيها معدلات البطالة سنوياً وخصوصاً من خريجي الجامعات والمعاهد المتخصصة ، قائلا انه من الأفضل منحهم دخلاً شهرياً يعينهم على تدبر أمور حياتهم ويكون مساعداً لهم في البحث عن وظائف . وأضاف أن صرف إعانة شهرية للعاطلين عن العمل أعتقد أن له دوراً كبيراً في تسهيل معيشة الكثيرين منهم وتحفيزهم للبحث في فرصة أقرب عن عمل ، إلى جانب دور هذه الإعانة في زيادة انتماء الشباب وولائهم لوطنهم ، في وقت تعد تكلفتها رمزية تعينه على الحياة اليومية وصعوباتها. وعن المصدر المقترح لهذه الإعانات بخلاف المصادر الحكومية ، قال ان هذه الإعانة الشهرية تعد خدمة اجتماعية يجب أن يشارك فيها القطاع الخاص بجد ومشاركة واسعة ، لأن هذا المشروع ينطوي تحت مفهوم المسؤولية الاجتماعية التي تؤكد شركات القطاع الخاص بين فترة وأخرى اهتمامها بتطبيقه ودعمه ، وأقترح أن تشارك كل شركة ب 1% من أرباحها السنوية ليتم استحصالها ودعم صندوق إعانة العاطلين بهذه النسبة ، وهنا يظهر ولاء الشركات لمجتمعاتها". ولم يخف الدكتور سالم وجود نسبة ضئيلة من العاطلين التي قد تتكئ على هذه الإعانة وتهمل البحث عن الوظائف ، غير أنه أكد أن مردود هذا المشروع الإيجابي سيكون أكثر بكثير من أي آثار سلبية محتملة وستظهر نتائجه في أقرب فرصة بعد إقراره والعمل به . فجوة كبيرة من جهته اشار الخبير الاقتصادي وعضو الشورى السابق الدكتور عبدالعزيز داغستاني إلى عدم وجوب أن يكون المعيار بالإعانة هو مقدار ما ينفق على الإعانة وإنما يجب أن تكون النظرة شمولية يؤخذ بها العوامل الاقتصادية والأمنية والاجتماعية ، داعياً إلى ضرورة وجود الدراسات الحقيقية وإسقاطها على الواقع ، مبيناً أن هذه الإعانة بحاجة إلى إعادة النظر لدى مجلس الشورى والمجلس الاقتصادي الأعلى في ظل تزايد نسب البطالة خلال الفترة الحالية وإقرار صرف الإعانة وفق ضوابط معينة من قبل الجهات ذات العلاقة, ومن ثم تناط بالمكاتب الاستشارية لوضع الأسس الإستراتيجية لها مع أخذ التجارب العالمية في هذا المشروع وإسقاطها على الواقع المحلي للخروج برؤية موضوعية جديدة ، معتبراً أن الكثيرين يشككون بالإحصائيات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة بخصوص نسب البطالة وذلك عندما ينظرون للواقع وإلى حجم معاناة الشباب السعودي وزيادة الطلبات على الوظائف عندما تتاح الفرص ويعلن عنها ، لافتاً إلى أن الفجوة كبيرة في هذا الجانب ما بين الواقع والإحصاءات ذاكراً أن معدلات البطالة أكثر بكثير من نسبة 10% المعلن عنها، وعن آلية صرف المعونة للعاطلين في حالة إقرارها أجاب الدكتور داغستاني أن ذلك يرجع إلى العمر والمؤهلات والجدية بالبحث عن عمل والمعوقات التي تواجهه ومعدل البطالة والدورات الاقتصادية وفترة تقديمها للعاطلين وهذه العوامل تحكم إقرار المعونة، مؤكداً أن للأزمة العالمية انعكاساتها السلبية على السوق المحلي بسبب أن الاقتصاد السعودي يعتمد كثيراً على الواردات ، وهذا ما انعكس على الشركات السعودية مما أسهم بارتفاع معدلات البطالة. ---- 6 مليارات ريال سنويا ل 448 الف عاطل توقع د. زين العابدين بري رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى أن تصل قيمة الاعانات المقدمة للعاطلين في حال اقرار التوصية إلى 6 مليارات ريال سنوياً باعتبار أن عدد العاطلين عن العمل 448 الف مواطن ومواطنة وهذه تُعدُّ من التكاليف الاقتصادية المباشرة. وافترض العضو أن هذا العدد سيتزايد نتيجة لتزايد عدد الخريجين وزيادة فئة الشباب مما يحتم توقع تزايد هذه المبالغ. وإذا ما كانت هناك مطالبات من قبل سيدات المنازل فإن هذا العدد سيزيد ، مستطردا بقوله : «إن زيادة العدد إلى مليوني عاطل عن العمل يتوجب على خزينة الدولة دفعه إلى 24 مليار ريال سنوياً ، وفي حال زيادة عدد المطالبين بالإعانة إلى أربعة ملايين مواطن فذلك سيزيد التعويضات إلى 48 ملياراً « . ---- مواطنون يقترحون إنشاء معاهد فنية للعاطلين اقترح مواطنون من بينهم عبد الرحمن أبو عبد الله أن يتم إنشاء معاهد تدريبية فنية للعاطلين عن العمل يتم تدريبهم في المعاهد وتصرف مكافأة تشجيعية للمتفوقين في أعمالهم حتى لا تستغل هذه الإعانات في أمور لا تفيد العاطلين . وتقول فاطمة السحيباني إنهن جميعاً بحاجة لهذه المكافأة ، أنا متخرجة من الجامعة قسم دراسات إسلامية من خمس سنين إلى الآن لم أجد عملاً ، فهذه المكافأة أو الإعانة ستغنيني وغيري والكثير من أمثالي . أما عبد الله الشمري يرى أنه لو تم صرف إعانات للعاطلين لما اجتهد العاملون ، وإذا تم صرف إعانات لهم من غير عمل فذلك يعد تشجيعاً لهم على بطالتهم ولما اجتهدوا في البحث عن عمل . ويرى فيصل الزامل أن صرف الإعانات لا يكفي بحيث إذا كان الشخص قادراً على العمل وليس معاقاً جسدياً أو عقلياً ، فيجب أن توفر له الدولة عملاً بجانب الإعانة بحيث إذا أبدع واستمر تكون الجهة نفسها ترغبه وتشجعه بالمكافأة المادية والحوافز المعنوية والوظيفية.