جاء على لسان ابن عباس (في كتاب المستطرف لشهاب الدين الأبهيشي) قوله: "لما أراد الله أن يخلق الأرض خلق ياقوتة خضراء فنظر إليها بعين الهيبة فذابت وصارت بحارا وحين اضطرب الماء نفخ عليه ووضع الريح فوقه ثم وضع عرشه فوق ذلك الماء (!!!)، ومن هذا الماء خلق بحر الظلمات الذي لا يدخله شمس ولا قمر (رغم أننا نعرفه اليوم باسم المحيط الأطلسي)... وهذا "الكلام" أيها السادة مجرد مثال على أكاذيب كثيرة تمتلئ بها كتب التراث ليس لها أساس ديني أو عقلي ولا تعدو عن كونها مجرد "سواليف" ومنقولات أخذت من الإسرائيليات أو من الأساطير والخرافات أو من مصادر محكية أقدم منها عمرا... وأذكر أن المؤرخ وهب بن منبه أورد قصصا لا تصدق عن عمالقة يقتلعون الأشجار ويزيحون الجبال ويخوضون البحار ويتجاوزون المدن ب"فردة قدم" .. فقد تحدث مثلا عن عملاق يدعى عوج بن عنق قال إنه "لا يوصف من طوله يخوض البحر ولا يبلغ ركبتيه ويجتاز المدينة كما يجتاز أحدنا الجدول الصغير وقد مد الله في عمره حتى أدرك موسى" (ولك أن تتخيل كيفية ولادته) !! أما الأكاذيب المباشرة فمثالها ما جاء في كتاب تحفة الألباب لمؤلفه الشيخ عبد الله حيث يقول: "رأيت في بلاد البلغار رجلا طويلا من نسل عاد طوله أكثر من سبع وعشرين ذراعا يسمى دبقي يأخذ الفرس تحت إبطه ويحمل في يده شجرة البلوط كالعصا كان يلقاني ولايصل رأسي إلى ركبته . وكانت له أخت في مثل طوله قتلت زوجها بعد أن ضمته إلى صدرها فكسرت أضلاعه فمات من فوره"... أما الزمخشري فادعّى في كتاب ربيع الأبرار أن الله خلق زمن موسى طائر العنقاء له ثمانية أجنحة ووجهه كوجه الإنسان ... ثم أوحى إلى موسى أنني جعلت رزقها في أكل الوحوش حول بيت المقدس فلما توفي موسى انتقل نسلها إلى نجد والحجاز ولم تزل فيهما تأكل الوحوش والصبيان! كما جاء عن الأبهيشي في عجائب المخلوقات حديث عن مخلوق يدعى "إنسان الماء" يطلع من بحر الشام بهيئة شيخ بلحية طويلة يتبرك به الناس حتى يعود إلى الماء ويغيب فيه.. كما تحدث عما أسماهن بنات الماء (الحوريات) وقال أنهن يشبهن النساء ذوات شعور وصدور وفروج يجد الصيادون برفقتهن متعة عظيمة قبل أن يعيدوهن للماء (وادعى وجودهن في بحيرة البرلس بدلتا النيل)!!! غير أن هذه بدورها مجرد نماذج لأكاذيب ومبالغات تمتلئ بها كتب التراث (ومع هذا يأخذها بعض الناس على محمل الجد والاستشهاد والعلمي).. وهي لا ترقى لمرتبة (العلم الصحيح) كونها لا تعتمد على نص صحيح أو منطق عقلي أو دراسة ميدانية أو اكتشافات احفورية.. ورغم أنه يحق للجميع قراءتها والاستمتاع بها، ولكن من غير المقبول الاستشهاد بها أو أخذها على محمل الجد والقداسة ناهيك عن مساواتها بالآيات والأحاديث الصحيحة.. وتتفاقم حالة اللبس بوجود علماء ومؤلفين مثل ابن كثير الذي ألف كتبا رصينة ودقيقة مثل "تفسير القرآن" و "السيرة النبوية" / وفي نفس الوقت كتباً ضعيفة وغير دقيقة مثل "الفتن والملاحم" و "البداية والنهاية" مزج فيها الآيات والأحاديث الصحيحة بالأساطير والإسرائيليات والظنون الشخصية !! أما المفارقة الفعلية فهي أن العلم الحديث يتواضع (رغم تقنياته المتقدمة) عن تفسير 99% من ألغاز الكون والخلق وبدء الحياة .. وفي المقابل تحاول كتب التراث إقناعنا بأكاذيب وخرافات حول ياقوت أخضر، أو قرن ثور تقف فوقه الأرض، أو قرني شيطان تشرق بينهما الشمس، أو نيل وفرات يخرجان من عين في الجنة ثم تنسب كل هذه لأبي هريرة وابن عباس أو تُقدم للناس كأحاديث نبوية صحيحة (هي في الحقيقة موضوعة أو ضعيفة نصا وعقلا)!!!