يعد حي البخارية من أقدم أحياء الطائف، وأحد محاور مركز المدينة وقلبها النابض بالحركة التجارية والسكنية، وذلك قبل أن يهجره أهله وملاك منازله الذين تشكل النسبة العظمى منهم الجالية البخارية، وهي إحدى أقدم الجاليات التي قدمت الى المملكة، وانتقلوا إلى المخططات الحديثة في أطراف المدينة بعيداً عن الصخب وازدحام سياراتها التي تعلو أصوات أبواقها كل صباح ومساء، ثم بعد ذلك تحول الحي إلى حي آسيوي داخل المدينة. ويعرف تاريخ الحي العتيق عندما تشاهد مبانيها القديمة والقائمة على مساحات ضيقة قد لا يتجاوز معظمها 100 مترمربع، وأزقة شوارعه الضيقة التي أصبحت في هذا الوقت عاجزة عن استيعاب الحركة المروية؛ خاصة بعد الانفجار السكاني الذي شهده الحي خلال تاريخه العريق، وبالذات عندما تدرك أن الحي كان يضم أعرق عوائل الطائف النازحة من سوق البلد بعد هدم سور الطائف واتساع المدينة، وخروج السكان للسكن خارج السور، ولكنه مر خلال تاريخه العريق بالكثير من المتغيرات، حيث شهد سكن الكثير من العوائل ذات الأعراق المختلفة من مواطني دول شرق آسيا وغيرها من الجاليات الأفغانية والهندية والباكستانية والبنغالية، وكذلك اليمنية والمصرية والفلسطينية، ولكن اسم الحي مازال راسخاً في أذهان الأهالي مواطنين ومقيمين. روائح الأطعمة وعند قدومك للحي من أحد شوارعه تأتيك رائحة "التميس" البخاري التي تفوح منه، والمطاعم التي تقدم الرز البخاري المشهور و"المنتو" و"اليغمش"وغيرها من روائح الأطعمة المنبعثة من المطاعم الشرقية، مما اشتهرت به الجالية البخارية، إضافة إلى انتشار محال العطارة، والمحال التجارية التي تبيع الأطعمة والصحف والمستلزمات لجاليات دول شرق آسيا، حيث توجد البقالات الإندونيسية والهندية والباكستانية، وكذلك المطاعم الإندونيسية والباكستانية والهندية والبنغالية بمأكولاتها التي تنبعث منها رائحة الفلفل وطعمها الحراق، ومطعم المشويات المصري، ومطاعم تقدم الأسماك والمأكولات البحرية، ومحلات بيع الحلوى الشرقية بألوانها الزاهية ونكهاتها المختلفة في قوالب مبهجة وجاذبة، وبجوارها محلات الخضار والفاكهة والتي تبيع أنواعاً من الخضار التي تقبل عليها الجاليات الآسيوية، ومحلات الجزارة، والخردوات، ومحلات إصلاح الدراجات التي تستخدمها العمالة الهندية والبنغالية في تنقلاتها، ومكاتب الشحن وحجزالطيران والمتخصصة في دول شرق آسيا، ومعظم هذه المحال تحمل لوحات بكل لغات دول شرق آسيا. شارع أبي العتاهية ويوم الجمعة في هذا الحي نكهة خاصة، فمن مساء يوم الخميس وعندما تدلف إلى شارع أبي العتاهية الذي يعد أشهر شوارعه ويخترق الحي من غربه حتى شرقه، وتقع على جانبيه أشهرالمحال التجارية والمطاعم الآسيوية، تشاهد العمالة الآسيوية التي تتردد على المحال التجارية والمطاعم؛ حتى أن الحركة المروية تصبح مختنقة بسبب كثرة العمالة الذين يدلفون إلى الحي من كل أرجاء الطائف ومن مكةالمكرمةوجدة، يلتقون على أرصفة شوارعه ويتصفحون الصحف والمجلات بكل اللغات، ويحتسون القهوة، ويترددون على مطاعمه التي تقدم أشهى مأكولات بلدانهم، وتسمع الشارع -من أوله إلى آخره- يتحدث (الأوردو) ولغات أخرى مختلفة، حتى أن الزائر يشعر أنه في إحدى دول شرق آسيا. جبل البازم وفي ناحية الحي يقع جبل البازم؛ وهو جبل كان ضخماً؛ لكن طريق المسيال المزدوج قسمه مع المنتصف فأصبح جزءاً منه في البخارية والجزء الآخر في حي الشهداء الشمالية، ولا يزال أهالي الطائف الأصليون يتذكرون تاريخهم العريق ومنازلهم العتيقة التي لا تزال شامخة على هذا الجبل إبان بدايات الطائف وتوحيد المملكة؛ حتى أن بعض منازله لا تستطيع السيارات الوصول إلى بابها بسبب أزقته الضيقة، رغم أنها مأهولة بالسكان من الجالية الأفغانية الذين يقطنونه وأبنائهم وبناتهم ويشكلون السواد الأعظم في مدارسه، وفي زوايا منازله الصغيرة تجد المحلات التجارية الصغيرة التي تبيع التميس الأفغاني والحلوى الأفغانية، والبوفيهات التي تقدم الحليب وإفطار العدس والقلابة والفول. شارع الخياطين وفي ناحية أخرى من الحي هناك شارع يعرف باسم شارع الخياطين وهم عمالة باكستانية وهندية وبنغالية أصبح أهالي الطائف يأتون إليهم حتى سكان القرى المحيطة بالطائف والأرياف، بعد أن برعوا في تصميم الأزياء الشعبية وفساتين السهرات وكل ما يطلبه الزبون يجدة موجوداً، حيث تتراصف في أحد شوارعه الضيقة مشاغل الخياطة وحياكة الملابس زينت مداخلها بأنوار ملونة أعطت الشارع شكلاً جمالياً وتراثياً رائعاً، وهذه المشاغل مخصصة لاستقبال الطلبات وعرض نماذج منها، بينما تتم الخياطة والحياكة في الشقق الصغيرة في أعالي المباني، حيث توجد العمالة المتخصصة في ذلك بأبخس الأسعار. وهناك وفي شارع ليس ببعيد عنه بائعو الأقمشة بكافة الخامات والألوان لخياطة كافة الأزياء الهندية والباكستانية والأفغانية الرجالية والنسائية، والبدل الرسمية والقمصان والسراويل للرجال، وهم في ذات الوقت يعرضون الأحذية والقبعات المناسبة لهذه الملابس والتي يتم جلبها من الصين والهند وباكستان لتتناسب مع كافة الأذواق ورواد الأسواق من كافة الجاليات العربية والأجنبية. ذكريات الزمن الجميل ويقول عمدة الحي سلطان الداموك إن كثيراً من سكان هذا الحي من أبناء الجالية البخارية قدموا من مكةالمكرمة منذ ما يقارب سبعة عقود، وأصبحت كل أسرهم تهوي إلى هذا المكان، ثم تنصهر في المجتمع، مشيراً إلى أنه حتى مواطني دول شرق آسيا يأتون إلى هنا في تجمعات تضم كل الأجناس وفي قالب غريب أشبه ما يكون بالمدن المصغرة لكل جالية؛ وذلك لتوفر المطاعم والمحال التجارية التي تلبي طلباتهم؛ حتى أصبح شارع أبي العتاهية ملتقى اجتماعياً لهم ليلة الجمعة، حيث تشاهدهم يتحلقون في جماعات على أرصفة الشارع يتجاذبون أطراف الحديث، ويجرون اتصالاتهم ومهاتفاتهم بأهاليهم في نهاية شارع أبي العتاهية. واضاف أن الساحة كانت ملتقى لأبناء الجالية المصرية، حيث تجمعهم لعبة (الكوتشينة) بعد نهاية يوم من العمل الشاق، ويتحلق المغتربون حول طاولات صغيرة للأنس وتبادل أطراف الحديث على أصوات الأرجيلة ورائحة المعسل، إلا أنه في الآونة الأخيرة تم نقل المقهى إلى خارج النطاق العمراني، فبدأت هذه التجمعات تتلاشى بعد انتقاله. وأشار إلى أنه رغم أن هذا الحي يشكل نسيجاً اجتماعياً نادراً وغريباً قد لا يكون موجودا بأي مكان بالعالم بهذا الانسجام والتجانس، ورغم الكثافة السكانية والانفجار السكاني لأهاليه إلا أنه يعد من أهدأ الأحياء السكنية بالطائف؛ خاصة بعد قيام الجهات الأمنية بمنع العزاب من السكن، حيث تشاهد قاطنيه ينطلقون مع الصباح الباكر لفتح محالهم التجارية ويعودون في ساعات متأخرة من الليل في سبيل طلب الرزق والكدح في انسجام تام بين كافة أطيافه وجنسياته، حتى مدارسه (بنين وبنات) والتي يشكل أبناء هذه الجاليات أغلبية ساحقة؛ إلا أنهم يتميزون بتفوقهم الدراسي وحسن سلوكياتهم، موضحاً أنه يوجد في مكةالمكرمةوجدة أحياء باسم (البخارية) وقد استمدت اسمها من ساكنيها. عجائب الحي بقي أن نقول: أن حي البخارية وتحديداً شارع أبي العتاهية الشهير قد تحول إلى مزار لكل من يصل إلى الطائف من جميع الجنسيات، لأنه يحمل جزءاً من تاريخ الطائف، ويرى فيه الزائر العجائب والمتناقضات على أرض الواقع، حيث ستشاهد ذلك الحي الذي عندما تتوسطه وتتأمل محلاته التجارية ووجه ساكنيه ستتوقع أنك داخل إحدى المدن في شرق آسيا، حيث سترى شارعاً إندونيسياً وبجواره آخر باكستاني وفي الناحية الأخرى شارع بنغالي تكتنف ضفافه محلات اعتلتها لوحات مكتوبة بالأوردو، ويتحدث جميع قاطنيه لغة الأوردو وتفوح من بينهم رائحة سجائرهم النفاثة، وتبيع محلاته الصحف الأجنبية بكل لغات شرق آسيا. منازل هجرها أهلها الى الأحياء الجديدة أحد المنازل القديمة في البخارية شارع أبو العتاهية «عدسة سيف الخديدي» أحد المطاعم الباكستانية