منذ أن انتخب باراك أوباما رئيسا للجمهورية في الولاياتالمتحدة, وعلى الرغم من أنه حصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات, والحملة الشعبية والأيديولوجية ضده تأخذ طابعا يختلف عن الحملات التي كان يواجهها أي رئيس أمريكي آخر. فالرؤساء الذين سبقوه كانوا يقعون تحت وابل من الانتقادات ومحاربة الأفكار التي يطرحونها من منطلق حزبي أو أيديولوجي, نابع من الصراع الروتيني المستمر بين الحزبين الأمريكيين الكبيرين للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد. أما بالنسبة للرئيس باراك أوباما فإن لون بشرته السوداء شكلت عاملا مهما في نظرة الكثير من الأمريكيين البيض له, وفي كثير من الأحيان لعبت دورا في المعارضة التي يواجهها. ففي الوقت الذي يفخر المؤيدون له بأن رئيسهم أسود, إلا أن المنافسة مع الحزب الديمقراطي تجسدت في محاربته, وفي معظم الأحيان, على أساس لون بشرة أوباما, غاضين الطرف عن كل المقومات الإيجابية التي يتمتع بها الرئيس باراك أوباما. وفي أكثر من مناسبة, قال أكثر من شخص على برامج تلفزيونية إن "هذا الرئيس ليس رئيسي", الشيء الذي لم يسمع علانية من قبل، حتى أيام جورج بوش الابن, فقد كنا نسمع من يقول "للأسف هذا رئيسي ولكنني أعارض ما يقوم به". فمثلا إبان الحملة الانتخابية التي خاضها باراك أوباما, ظهرت العنصرية واضحة لدرجة أن بعض أعضاء الحزب الجمهوري كانوا يحملون صورة أو لعبة قرد ويكتب عليها أوباما. كما كانت الإشارة إلى اسمه الثلاثي, باراك حسين أوباما تمثل نظرة عنصرية, حيث كانت تقول في الواقع للناخب الأمريكي أن هذا الشخص ليس منا. فإذا كان المواطن الأمريكي أسود أو مسلما أو بوذيا أو حتى علمانيا فإن القانون لا يمنعه من الوصول إلى البيت الأبيض. وقد عبر عن هذا الموقف في حينه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق, كولن باول (وهو جمهوري), إبان الحملة الانتخابية في مقابلة مع إحدى شبكات التلفزيون الأمريكية الرئيسية حين سئل عن ديانة باراك أوباما وهل هو مسلم, قال باول إن أوباما مسيحي, وأضاف وحتى إذا كان مسلما فهل هناك قانون يمنعه من ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية؟. وهناك عشرات الأمثلة عن هذه العنصرية, وقد كتب عنها الكثير في حينه. وكان الموقف العنصري واضحا في المناظرة الأولى التي تمت بين باراك أوباما وبين المرشح الجمهوري جون ماكين, فقد امتنع ماكين طيلة المناظرة من النظر إلى أوباما, الشيء الذي أثار انتباه الملايين من المشاهدين وبالتالي وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية. وفي مناظرة ثانية قال ماكين واصفا أوباما ب "هو" (HIM)، وهذا الاصطلاح لا يستعمل على المستوى الرسمي, وبالتالي أثار ردود فعل في وسائل الإعلام الأمريكية. وتبين ان ماكين لم ينظر إلى أوباما على أساس أنه منافسه, بل إنه عدوه, حسب ما نشرت في حينه وسائل الإعلام الأمريكية. فبعد انتخابه رئيسا للجمهورية لاحظ البعض أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية تسقط لقب "الرئيس" عندما تذكر أوباما, وهي عادة غير متبعة في قاموس الإعلام الأمريكي, مما أدى إلى أن تخصص شبكة التلفزيون الأمريكية "إس . إم . إن . بي . سي." حلقة عن هذا الموضوع مشيرة إلى عنصرية التعامل مع الرئيس أوباما. ونجم عن ذلك حملة كبيرة أجبرت وسائل الإعلام "المتنكرة " لكلمة الرئيس إلى تغيير موقفها. فهذه النظرة العنصرية المبنية على الاحتقار للون بشرة الرئيس أوباما, أدت إلى أن يقوم أحد أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي, وأثناء قيام أوباما بإلقاء خطاب أمام أعضاء الكونغرس بشقيه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب), أن يقاطع الرئيس ويصيح في وجهه قائلا: "كذاب"، وكانت شبكات التلفزيون الأمريكية تنقل الخطاب مباشرة على مستوى القارة. ورغم اعتذار ذلك العضو عن جريمته الأخلاقية, إلا أن هذا الاعتذار لم يمنع أن تطبع كلمة "كذاب" على قمصان (تي شيرت) يرتديه المعارضون للرئيس أوباما. وقد كنا, زوجتي وأنا, شاهدين على حادثة عنصرية حين كنا سائرين في أحد شوارع واشنطن, وكان هناك رجل أسود مسن يستجدي مساعدة مالية من المارين. وصادف أن سيدة بيضاء كانت تسير برفقة زوجها, وعندما اقتربت من ذلك "الشحاذ " قالت بصوت جهوري: "اذهب إلى رئيسك". إن مئات الشحاذين يتجولون طيلة الوقت في شوارع العاصمة وهي ظاهرة معروفة لكل من يزور واشنطن, ولكنني لا أعتقد أن أحدا قال لهم اذهبوا إلى رئيسكم. وعلى المستوى العالمي كانت هناك ردود فعل ايجابية لانتخاب أوباما ووصول الحزب الديمقراطي للحكم والتخلص من جورج بوش وما جلبه على العالم من توتر وحروب وكوارث اقتصادية. كما أن وصول رئيس أسود إلى الحكم في أمريكا زاد في الواقع من "شعبية الديمقراطية الأمريكية" في نظر العالم. ولكن هذا لم يمنع دولة عنصرية مثل إسرائيل من اتخاذ مواقف عنصرية ضدّ أوباما وإدارته. فسجل إسرائيل العنصري في تعاملها مع الفلسطينيين معروف. وسجل حكومة نتنياهو العنصري معروف, وظهر مؤخرا بشكل واضح في الإهانة التي وجهها وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان, لسفير تركيا في تل أبيب, وفي التصريحات العنصرية ليس فقط ضدّ العرب, بل ضدّ كل من ينتقد إسرائيل, لدرجة اعتبار حتى اليهودي الذي ينتقد مواقف حكومة نتنياهو بأنه يهودي "خائن" وأن أي رأي ليبرالي يطرح, ُيعتبر طارحه اليهودي بأنه "عدو" حتى لو كان من منطلق صهيوني حسب ما جاء في مقال مطول نشرته صحيفة "معاريف" ( 24/2/2010 ). وسأنقل للقارئ رؤية إسرائيلية حول موضوع تعامل حكومة نتنياهو مع الإدارة الأمريكية، فقد نشر الدكتور غابي شفر وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس, مقالا في صحيفة "هآرتس" (24/2/2010) عنوانه: "لا تخسروا أوباما". يفتتح الكاتب مقاله بما يلي: "إن أكثرية الإسرائيليين, من رجال الشبكات الأمنية والسياسية, وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية, قرروا بشكل نهائي بأن رئيس الولاياتالمتحدة باراك أوباما, لن ينجح في الحصول على أي تقدم ملموس متعلق بحل النزاع الإسرائيلي - العربي. إن لعدم الثقة, وعدم التأييد لأوباما صلة وثيقة, وبشكل غير عادل للون بشرته, منذ أن قرر ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية. وزاد هذا الموقف حدة عندما انتخب رئيسا للجمهورية, وكل ذلك نابع بسبب انتمائه العرقي (الإثني). إن عدم الثقة والاستهتار بالنسبة له وبالنسبة لإدارته هي في غير مكانها". وحتى في العام الماضي, نشرت صحيفة "هآرتس" (25/12/2009) مقالا إخباريا عنوانه: "في إسرائيل يتمنون أن يفشل مشروع أوباما في الإصلاح الصحي". وتضيف الصحيفة أن السبب في ذلك يعود إلى أن نجاحه: سيكون له أبعاد على مجريات الأمور في الشرق الأوسط". فالحقيقة التي اوردها شفر, تفسر الكثير من المواقف التي اتخذتها حكومة إسرائيل فيما يتعلق بالوساطة الأمريكية لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي, والتحديات التي وضعتها حكومة نتنياهو لكل الأفكار التي حملها مبعوث الرئيس أوباما للشرق الأوسط, جورج ميتشل. ففي كل مرة كان يصل فيها ميتشل, أو أي مسؤول أمريكي آخر إلى المنطقة كانت تقوم حكومة نتنياهو بتحرك يتناقض مع الموقف الأمريكي, وفي كثير من الأحيان كان هذا التحرك بمثابة صفعة لإدارة الرئيس أوباما. إن انتخاب رئيس أسود للولايات المتحدة لم ينهِ العنصرية الأمريكية المتجذرة, وغطرسة العنصر الأبيض في أمريكا. وتبين أن إسرائيل تعرف كيف تستغل مثل هذه الظروف.