أكد د.علي الخشيبان استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود على أن الانتصار الفكري على الإرهاب أكثر تعقيداً من الانتصارالأمني. وقال في حديث ل"الرياض" إن الانتصار الأمني الكبير على الارهاب تم من خلال جهود رجال بواسل وأوفياء لدينهم ووطنهم ومليكهم، حيث استثمروا كافة المعلومات الأمنية وتحليلها ومتابعة مصادرها ومراقبتها، ومن ثم تعطيل العمل الإرهابي من خلال الحركة الاستباقية، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يتم من خلال زمن محدد وينتهي ثم يتم الانتقال إلى عمل آخر. د.علي الخشيبان الأمن الفكري وأضاف أن هذه الآلية ساهمت كثيراً في تقويض الإرهاب وتجفيف منابعه، بسبب قدرة الجهات الأمنية على تحليل المعلومات ومتابعتها بشكل دقيق؛ ومن ثم تنفيذ العمل الأمني بشكل محكم، أما الانتصار الفكري على الارهاب فقضية مختلفة ومعقدة تماماً؛ وتحتاج إلى منهجية دقيقة لتغيير ثقافة مجتمع بأكملها، ولا يمكن أن تقوم بها الأجهزة الأمنية لوحدها، بل هي مسؤولية مشتركة بين عدة مؤسسات مجتمعية أهمها: الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمسجد، ولكن أهم جهة يجب أن تسهم في تحقيق الأمن الفكري هي المؤسسة الدينية في المجتمع؛ على اعتبار أن منطق "الفئة الضالة" يقوم أساساً على منطلقات دينية غير صحيحية، وبالتالي تصحيح هذه المفاهيم والمنطلقات بحاجة إلى جهد المتخصصين في هذا المجال. الخطاب الديني وأشار إلى أن الحرب على الإرهاب فكرياً يعني إعادة قراءة كاملة وشاملة للخطاب الديني وتطوير مفاهيمه؛ بالتركيز على قضايا مهمة وأساسية مثل فكرة الولاء والبراء، وآليات فهمها، وكذلك قبول الآخر المختلف فكرياً وثقافياً وعقدياً، وربط الخطاب الديني بالحياة الحديثة والتطور القائم في العالم، ومن ثم تحويل هذه الأفكار إلى برنامج تنموي للثقافة المجتمعية يوزع بين مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية لتنفيذه خلال مدة لا تقل عن عقد من الزمان لكي يتم إحداث التغيير المنشود. تحديد المسميات وقال إن المجتمع إذا ما استمر في تردده في تعريف ظاهرة الإرهاب وحسم موقفه من القضايا غير الواضحة في ظاهرة الإرهاب؛ فإنه قد يصبح مصدر إنتاج للظاهرة الإرهابية دون أن يدرك، ولك ماهي طرق حسم الموقف؟، وهل تسمية الأشياء بأسمائها المباشرة والصريحة إحدى طرق الحسم؟. ويجيب د.الخشيبان أن تعريف الأشياء بأسمائها الحقيقة هو جزء من فهمها، فمثلاً عندما نقول عن الإرهابيين بأنهم ضالون فهذا يثير سؤالاً حول حجم ضلالهم واتجاهه وكيفيته، فالضلال ليس نتيجة للإرهاب ولكن الصحيح هو العكس، فلماذا نطلق عليهم ضالين بعد عملهم الإرهابي؟، الحقيقة أنهم ضالون عن الفهم الصحيح للواقع الديني، ثم تحولوا إلى إرهابيين، فلذلك هم إرهابيون في النهاية، ضلالهم فلسفة مرتبطة بخلل فكري شامل لديهم، وخلل كبير في فهمهم للعقيدة والإسلام. وأضاف أن التسميات غير الدقيقة في وصفها وفلسفتها قد تكون خطراً يهدد المجتمع؛ فقد يعيد المجتمع إنتاج الإرهاب بطرق أخرى دون أن يدرك؛ ما دام الإرهاب يعرّف بمصطلح واسع وفضفاض، كما أن الإرهاب والفعل الإرهابي قد يكون فكرياً وقد يكون اجتماعياً وقد يكون ثقافياً وهنا يجب إعادة تعريف الإرهاب وتحديد مجالاته وأنواعه وطرقه ومن ثم إطلاق الأسماء على حقيقتها في وصف أي عمل يتم القيام به تحت غطاء فكري أو عقدي أو مذهبي، مشيراً إلى أن تسمية الأشياء بأسمائها أفضل طريقة للتأكد من الأفعال وتعبيراتها لأنها تعرف بها وتشرح أهدافها. الجريمة والفقر! وفند د.الخشيبان علاقة الفقر بالجريمة، والارهاب بشكل خاص، وقال: إن الجريمة كظاهرة اجتماعية متعددة ومتباينة؛ هي نتيجة طبيعية لاختلال القيم وكذلك فهم المجتمع ومعاييره، وكذلك قدرة القوانين على الثبات في وجه المجتمع وقدرة المجتمع على تطبيقها، فالجريمة ليس لها علاقة مباشرة بالفقر وإلا تحول فقراء العالم إلى مجرمين، ولكن الحاجة ماسة إلى تطبيق القوانين وتنفيذها وتحقيق مستوى العدالة في ذلك. تجنيد "تنظيم القاعدة" وحول سؤال عن مدى استطاعة "تنظيم القاعدة" تجنيد الشباب وصغار السن بعد النجاحات الأمنية المتواصلة، أوضح د.الخشيبان أن "تنظيم القاعدة" لم يعد أمامها الطريق مفتوحاً لتجنيد الشباب كما كانت تفعل قبل أحداث سبتمبر وبعده بسنوات، والسبب في ذلك أن الأجهزة الأمنية في العالم أصبحت يقظه لعمليات التجنيد المباشر القائم على التأثير من خلال الخطبة أوالحوار المباشر عبر الانترنت، واعتقد أن "تنظيم القاعدة" أصبح يدير أزمة التجنيد كأحد ملفاتها الرئيسة بشكل يبحث عن طرق أسهل للتجنيد، بالإضافة إلى جمع التبرعات والمال، ولذلك يلاحظ المتابع للقاعدة وتاريخها أنها اعتمدت ما يمكن تسميته (تجنيد نت) وهو الأسلوب المعتمد على استخدام التقنية والصور والتقارير والخطب للتأثير على المتلقين، ومن ثم يتم جرهم إلى مواقع مختلفة تنتهي بالنهاية إلى محادثات مباشرة مع أعضاء في "تنظيم القاعدة" يمارسون عمليات التجنيد مباشرة عبر التخاطب الالكتروني. وقال إن التجنيد في "تنظيم القاعدة" أصبح فعلياً يعاني من عدم قدرته على الوصول إلى فئات الشباب التي اعتاد على الوصول إليها في السابق، لذلك نلحظ أن الفئات العمرية التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة كلها فئات تكاد تكون تجاوزت منتصف عقدها الثاني، بينما كان أعضاء القاعدة في السابق ومن نفذوا عملياتها وخصوصاً في مجتمعاتنا فئات تقل أعمارها عن خمس وعشرين عاماً. زمن الصحوة! وعن الممارسات الدينية الفرعية التي لم تكن مقننة في فترة سابقة في المجتمع، بين د.الخشيبان أن عدم تقنيين العمل الإسلامي والدعوي في المجتمع وضبطه تحت تنظيمات قانونية وجمعيات منظمة؛ جعله عرضة للاختراق من التيارات المتطرفة. وقال كثير من الجمعيات والنشاطات الدينية في المجتمع لم تكن تحت تنظيم قانوني يحدد مرجعيتها؛ فكانت أنشطتها مثل الخطب والرحلات والمخيمات تحصل على إذن من الجهات الأمنية لمرة واحدة فقط ومن ثم لا يتم متابعة ما يجري فيها، مشيراً إلى أن العمل الدعوي وخصوصاً الصحوة الإسلامية مارست ماتريد واخترقت كل المجتمع تحت غطاء ديني دون أن يتم تنظيمها وتقنينها، لذلك مورس التطرف فكانت المخيمات تقام ولا احد يستطيع أن يعترض أو يطلب أهدافاً أو يسأل عن الجهة التي ترعي تلك الأنشطة، وذلك بسبب غياب التقنيين والتنظيم لذلك العمل؛ فكانت النتيجة أن اختفى التطرف والتشدد تحت عباءة الدين المجتمعي فأثمر إرهاباً!. وأضاف نحن لم نعترف بعد بكثير من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا، ونحاول أن نخفيها ومنها التشدد على سبيل المثال، فالمجتمع لديه أزمة في فهم الواقع الاجتماعي والواقع الديني وعلاقته بالعالم من حوله ونحن لازلنا لا نعترف بذلك مع الأسف!. قادرون على التغيير والتحضر وقال أتمني أن نكون نحن والمجتمع قادرين على إيجاد بيئة مناسبة لتنمية ثروة العقول لدى الأجيال القادمة، لأننا إن تركناها للجيل أن يصنعها ويوجدها فمعني ذلك أننا نقاوم هذا الجيل ونكون حجر عثرة أمامه، مما قد يترتب على ذلك كسر للقيم والمنظومات وهدم لها، ونحن نمسك يد الجيل اليوم ولكننا لا نعلم إن كنا سنتمكن من ذلك أم لا في الغد، وارجو أن يكون المجتمع قادراً على بناء منظومة التطور في حياته متناسبة مع المستقبل وليس مع الماضي، ونحن يجب أن نعيش داخل دائرة الزمن المتحضر؛ ونحن مجتمع يملك كل مقومات الحياة المتقدمة والحضارية فلماذا لا نكون كذلك؟.