الضمير هو شيء لا يوجد له تمثيل ما في جسم الإنسان, ولكن كل ما ينتج عن بني آدم من سلوك يدل على وجود هذا الكائن الاخلاقي غير المرئي, وغيابه عن الحضور في التصرفات يدل على غياب المبادئ الاخلاقية التي تعطي الحياة قيمة سامية ترفع الانسان عن سواه, من الكائنات الحية. كل القوانين والتشريعات السماوية والدنيوية جاءت لمحاسبة الضمير الانساني على عمله واعتقاده, ولكن مع هذا تعتبر أصدق محاكمة لضمير ابن حواء تأتي من خلال الضمير ذاته.. سمعت قبل ايام عن اعتراف مواطن كان قد دهس طفلا قبل أكثر من عشرين عاما وهرب وظل كل هذه المدة متسترا بهروبه ولكن مع هذا لم يستطع طوال هذه السنوات أن يهرب من محاكمة ضميره, لقد أراد هذا الانسان ان يصنع لنفسه خيرا, وكل مافي الصدق خير. ان الانسان يستطيع ان يحيا بدون بعض اعضائه وهذا النقص في تكوينه لا يفقده صفة الانسان بل يزداد انسانية مع هذا الفقد والأكيد انه لا يمكن بل من المستحيل ان يكون انسانا بدون ضمير. ان الشعوب العربية ربما تكون هي الشعوب الوحيدة الأكثر حاجة لعمل الضمير الحي, وذلك بسبب ان اكثر التشريعات والقوانين الرائعة والمستقيمة في اهدافها لاتطبق بشكل يضمن سلامة وحياة هذه الشعوب ، وإن المتابع لبعض القرارات العربية لا يرعبه غياب الضمير من تلك النفوس المتعالية بتأثيرهاالعام , ولكن يكاد يشك أنها خلقت بضمير, وما حاجتهم له ماداموا يعتبرون أن الوجود العام شيء مؤقت ، ووجودهم امر ابدي تقريبا، وبعضُ من تولوا مسؤولية في وطننا العربي الكبير وفقدوا ضمائرهم اثناء سعيهم للوصول الى المسؤولية ، وهم بطبيعة الحال ادنى مكانة ، هؤلاء لا نسمع اصواتهم ولا نرى وجوههم , الا بعد ان يُستغنى عن خدماتهم ، ويحتفلوا بعودة ضميرهم بالصوت والصورة في برنامج شاهد على العصر, ودائما ما يبررون ظهورهم بعد ان جلدوا ظهورنا بقراراتهم ان هناك كلمة يجب ان تقال للتاريخ ، ومن تاريخ الى تاريخ تصبح مأساتنا رواية تحكى ولا تصدق الا في الاكتشافات الاثرية التي تهتم بدراسة بقايا الانسان. وبسبب عذابنا من الضمير وغيابه فالعرب هم الشعب الوحيد الذي يقسم بضميره ، وحياة ضميرك ، انا داخل على ضميرك ، حالة استجداء مستمرة للخلاص من الهلاك الموعود.