بالنظر إلى تاريخ أفغانستان وتركيبتها القبلية وطبيعتها الجغرافية يمكننا الوصول إلى عدة حقائق حول هذا البلد أولى هذه الحقائق أن أفغانستان مهما كانت الصبغة الفكرية المتشددة طاغية على سطحها أو تم إيهام العالم بها، إلا انه لا يمكن الجزم بان الحلول الدينية الأيديولوجية لهذا البلد كفيلة بتغييره وجعله يتجاوز عقبة القبلية التطرفية والتي هي أصعب معوقات التحسن في الحالة الأفغانية. في أفغانستان تطرف قبلي يفوق التطرف الديني بل إن منهجية طالبان تختلف تماما مع التطرف الذي تزرعه القاعدة وسلفيتها، في أفغانستان تركيبة اجتماعية صعبة الفهم فالعلاقات الاجتماعية في أفغانستان ذات إطار أخلاقي وقيمي يجب فهمه قبل الإقدام على تقديم مقترحات وحلول لهذه المشكلة. التطرف الديني في أفغانستان ليس مرتبطا بالقاعدة بشكل مباشر فعدد الأفغان في تنظيم القاعدة يكاد يكون معدوما ولذلك نستطيع أن نسأل سؤالا مهما: هل يريد الغرب حلا لمشكلة القاعدة أو لمشكلة أفغانستان...؟ اعلم أن هناك فرضية تقول إن حل مشكلة القاعدة سوف يكون سببا لحل مشكلة أفغانستان هذه الفرضية قد تحتاج إلى إثبات والدليل أن الغرب يطلب حلولا أيديولوجية من الدول الإسلامية بينما هو يمارس حلولا عسكرية وسياسية على الأرض الأفغانية. المشكلة ليست أيديولوجية كلها ولو كانت كذلك لأفاد تدخل الكثير من الدول الإسلامية في المشكلة الأفغانية أيام طالبان بعد أحداث سبتمبر، أفغانستان لن يحلها المال فدولة مات منها ملايين الرجال منذ الاعتداء السوفياتي عليها إلى اليوم تراكمت فيها مشكلات يصعب حتى التفكير فيها، فمن النادر في هذا البلد أن تجد إنسانا بلا عاهة جسدية تذكره كل دقيقة وساعة بأنه دفع ثمن هذه المشكلة من جسده. التطرف القبلي والنزعة الطائفية هما المحرك الرئيس حتى وإن بدا الفكر الديني طاغيا على المساحة السياسية المتداولة، هذه هي الفرضية، طالبان ليست القاعدة سواء من قريب أو من بعيد والأفغان لم تنته مشكلتهم فلازالت القضية قائمة منذ خرج آخر جندي سوفياتي، هناك بدأت المشكلة ولم تنطفئ بعد، من هناك يجب أن يتذكر الغرب موقفه من الحرب الأفغانية - الروسية وماذا يجب عليه أن يفعل...!. الرئيس (كرزاي) يبحث عن الحلول مع أكثر من قائد عالمي فهو عندما يذهب إلى الغرب يتحدث معه الغربيون عن الديمقراطية وعن أحلام بناء مجتمع مثالي يتعاطى الانترنت ويذهب فيه الجميع إلى المدارس والجامعات ويتسوقون من اكبر المتاجر العالمية التي سوف تبنى في كابول وغيرها من مدن أفغانستان. ولكن عندما يذهب الرئيس (كرزاي) إلى دول إسلامية يجد أن القضية مختلفة تماما فلا احد يحدثه عن الديمقراطية ولا عن تعاطي الانترنت في أفغانستان، ولكن يحدثونه عن زراعة المخدرات وتعاطي الهروين وعن تعاطي التطرف والقاعدة وعن تعاطي القبلية وعن أزمة باكستان والهند وإيران وكيف سوف تؤثر هذه الدول في الشأن الأفغاني. الحرب ليست الحل والمال ليس الحل والسياسة ليست الحل هكذا هي حال الرئيس (كرزاي) الذي يزوره الرئيس الإيراني فيقول له إن الحرب التي تقوم بها أمريكا في أفغانستان هي سبب المشكلة وقبلها يطلق وزير الدفاع الأمريكي بياناته بان الانتصار قد تحقق وان الغلبة للديمقراطية ولن يكون هناك مجال لغيرها كي تولد على هذه الأرض الأفغانية. في أفغانستان هناك من يعيش على زراعة المخدرات وهناك من يعيش من عوائد إشعال الحروب واستمرارها ومجموعات تكسب من وراء دعم الإرهاب والتطرف وتصديره إلى العالم بل إن هناك من يستفيد من بيع المقاتلين وخاصة غير الأفغان إلى القوات الدولية كما حدث بعد القضاء على طالبان، وهناك دول تسعى إلى فرض سيطرتها على تلك البقعة الثمينة في مشكلاتها كما أن هناك قبائل تسعى إلى عدم فقدان مكاسبها التاريخية والجغرافية في السيطرة على الشعب الأفغاني كلّ بحسب قبيلته. الموضوع في أفغانستان اشد غرابة من أي مكان في العالم ولذلك فقد يكون التدخل فيها من قبل الدول الإسلامية لتقديم الحلول وبذل المال والجهد السياسي غريبا كذلك وخاصة أن الوصول إلى القاعدة ربط بالمرور فوق ظهور طالبان. في جانب آخر تبدو المشكلة اليمنية قريبة أو تسير في نفس الاتجاه مع الحالة الأفغانية فالحالة اليمنية يوجد فيها متناقضات سياسية واجتماعية ودينية يصعب تكييفها وفق منهجية تنموية سواء سياسية أو اجتماعية، كما تشترك أفغانستان واليمن بوجود نوعين من المشكلات يستعصى ترويضهما سياسيا حيث يوجد في كلا البلدين تطرف يعيش في ظل حماية اجتماعية أو جغرافية. مثال اليمن هنا ليس للمقارنة ولكن لإثبات أن الحالة الأفغانية واليمنية سوف تشكلان خطرا على العالم الإسلامي .. ليس هناك مستحيل كل الحلول ممكنة ولكن هناك مستحيل واحد يتمثل في أن أفغانستان بوضعها الحالي سوف تعيش عقودا طويلة من الحروب وفي نفس الدائرة سوف تحرق أفغانستان وقد تكون اليمن أيضا مسرحا جديدا كذلك لكل الحروب والأسلحة، سوف تستهلك أفغانستان كل الأموال التي سوف ترسل اليها وسوف تذيب أفغانستان كل المشروعات الدبلوماسية والسياسية والاستخباراتية التي تطلق من اجلها. أفغانستان هي أزمة العالم الجديدة بجانب قضية فلسطين مما سوف يجعل الجهد المبذول من العالم الإسلامي مقسما إلى أكثر من قضية بدلا من تركيزه على قضية واحدة مما يعني ضعف الجهد أو فقدانه، سوف تسحب أفغانستان اليها دولا كثيرة وقد تكون مسرحا لحرب مؤلمة ليس في عدد الموتى ولكن في تأثيرها على دين يعتنقه أكثر من مليار شخص في العالم. السؤال الذي بقي هو الشارع الأفغاني (مقاتلو طالبان ومزارع المخدرات والقبلية) وماذا يريد..؟ لماذا نتوقع أن الشارع الأفغاني يمثل القاعدة أو طالبان ؟ قد تكون توقعاتنا غير صحيحة ولذلك قد تشترك طالبان وغيرها في إدارة البلاد وخاصة أن تاريخ طالبان يمكن أن يجعل منها حليفا استراتيجيا لحل الأزمة والقضاء على الإرهاب ، فهل يمكن أن يتم قطع الطريق على القاعدة التي تلعب بورقة طالبان..؟ وهل يمكن أن يحدث العكس..؟ طالبان لن تترك أفغانستان في سبيل حماية القاعدة أو أعضائها وخير دليل على ذلك انه في العام 1998م عندما انطلقت تصريحات ابن لادن في الصحف والقنوات العالمية مما أثار ذلك غضب الملا عمر الذي قال بالحرف الواحد (من يحكم أفغانستان أنا أم ابن لادن)، طالبان لا يمكن تجاهلها ولكن هذا السؤال بحاجة إلى إجابة، وطالبان يمكن ترويضها لفهم منطقي للواقع السياسي. طالبان تطالب بمنحها إمكانية إقامة دولتها بالطريقة التي تراها لتطبق الشريعة الإسلامية عليها فإذا كان الأفغان يريدون فلماذا لا يكون وليتم تأجيل ديمقراطية الغرب مهما كان الثمن ..؟ ولكن علينا التأكد أن إقامة دولة إسلامية في أفغانستان يجب أن لا يعني تصدير الخلافة الإسلامية على طريقة تصدير الثورة كما في إيران هذا هو محور التفاوض مع طالبان وقيادات أفغانستان الأخرى وقبائلها.