أفغانستان كما يقول احد الباحثين يعيش على أرضها خمس وخمسون قومية ولكن المؤكد أن (قبائل البشتون) هي أكبر قومية في أفغانستان بنسبة قد تصل إلى أكثر من نصف سكان الدولة الأفغانية. البشتون مجموعة سكانية تعتمد النظام القبلي في إدارة شؤونها الداخلية لذلك ظلت علاقة البشتون بالسلطة سواء إبان النظام الملكي أو بعده هي علاقة تتشكل بشكل دائم من خلال البناء القبلي التقليدي. لهذا السبب فإن ظهور حركة طالبان المفاجئ بعد الحرب الأهلية وقدرتها السيطرة على الأرض الأفغانية خلال فترة وجيزة كان لهما ما يبررهما من الناحية القبلية على الاقل حيث إن حركة طالبان تعتبر حركة (بشتونية) من حيث العرق والانتماء. لقد استطاعت حركة طالبان أن تبقى على نفسها متواجدة في المشهد السياسي الأفغاني حية وذات تأثير كبير في المناخ السياسي في أفغانستان حتى إن بدت هناك حكومة تدير البلاد. ما يجب أن نعرفه أن حركة طالبان موجودة في إدارة الحكم في أفغانستان على اقل تقدير في بعدها القبلي وهو ما يدركه الغرب وحلفاؤهم ولن يكون من المفيد تجاهل هذا التواجد فالهدف يجب أن يكون تخليص طالبان من القاعدة لحماية العالم واستثمارها في إدارة أفغانستان وفق قيمها ، فمهما بدا لنا أن طالبان دينية الهوى إلا أن القيم القبلية في مثل هذه الدولة تستطيع أن تتفوق على كل القيم. أحداث الحادي عشر من سبتمبر والهجوم الغربي على أفغانستان لم يستطيعا أن يذيبا هذه الحركة أو يقضيا عليها بل ظهر أن طالبان ليست مجرد حركة سياسية يسهل اجتثاثها بقدر ما هي تركيبة سكانية ولذلك يصعب اختراقها. جارة أفغانستان وهي الدولة الإسلامية الأكبر باكستان ليست قادرة على الانفصال عن ما يحدث في أفغانستان، وعلى الطرف الآخر توجد الهند أما الطرف الأبعد الدولة الأكبر في العالم من حيث السكان الصين وهناك إيران التي كانت أفغانستان جزءاً منها حتى عام 1747م. هذه الدول جميعا لن تكون بمنأى عن ما يحدث في أفغانستان وهذه قضية طبيعية ولكن القضية الأكثر حيرة في الموضوع هي تعقيد الموقف هناك، فالقبلية لها دور اجتماعي حيث تتداخل قبائل باكستانية وأفغانية بشكل كبير، ثانيا: وجود شيعة وسنة يشكلون بعدا أيديولوجيا خطيرا في حال تحريكه نحو الصراع في كل من أفغانستانوباكستانوإيران. ثالثا: وجود سلاح نووي في باكستان التي تتوسط بين الهند وأفغانستان، رابعا: وهو الأهم مطرقة الهند ومطرقة افغنستان اللتان تضربان في نفس الوقت الرأس الباكستاني مع اختلاف الهدف بين عسكري وأيديولوجي، خامسا خوف الصين من تواجد غربي قريب منها قد يشكل تهديدا على أمنها. سادسا: قلق إسلامي على مستقبل الإسلام في منطقة تعج بالمسلمين من كل الطوائف، سابعا: وهو الأخطر تحول أفغانستان إلى ارض الميعاد للقاعدة حيث استطاعت أن تعيش فيها وقد تظل لفترات طويلة وخاصة أن طالبان وهي الوجه السياسي للقاعدة تمنح ابن لادن وأتباعه الحماية وفقا لقيم قبلية تدعى (بشتون والي) أي توفير الحماية للمستجير بهذه القبيلة والدفاع عنه. هذه التركيبة القبلية في أفغانستان يجب أن تفهم وفقا لمنهجية قبلية أيضا حيث يتميز التركيب القبلي بخلطة عجيبة من القوانين وهذا ما يحاول الغرب التقليل من شأنه باعتقاد انه يمكن شراء ذمم القبائل بالمال وهذه فرضية تنم عن قصور في فهم النفسية الأفغانية. في حالة قبائل البشتون الأنظمة ليست كلها دينية بل هي مجموعة كبيرة من القوانين والأعراف القبلية التي تم تكييف العقيدة الدينية للتوافق معها وقد أدرك ابن لادن والقاعدة وحتى المجاهدون الذين رحلوا إلى أفغانستان هذه التركيبة الغريبة ولم يجدوا لها تفسيرا إلا عندما انقلبت مفاهيم الجهاد بين الجماعات الأفغانية ليصبح الجهاد بينها بدلا من أن كانت متحدة في تعريف عدوها. في الإطار القبلي الذي يستجيب لتعاليم دينية محددة يصعب إعادة تشكيل البنية القبلية للتوافق مع التعاليم الدينية بشكل كامل والدليل على ذلك أن الكثير من الحدود الدينية بين تلك القبائل إما أن يتم تجاوزها كما في زراعة المخدرات في أفغانستان أو يتم تطبيقها دون اكتمال شروطها كما أشار احد الباحثين ومنها حالات تطبيق حد الزنا الذي يصعب إثباته بل انه لم يثبت إلا في حالات نادرة في الإسلام. إذن التركيبة السياسية والاجتماعية ليست سهلة الفهم في المنطقة بأكملها ولذلك يمكن القول إن إصابة أفغانستان في قدمها سوف تؤلم باكستان في رأسها، وإصابه باكستان في رأسها سوف تقلق الهند في عيونها، بمعنى دقيق فإن باكستان خاسر اكبر عن كل ما يجري في أفغانستان لذلك هي قلقة سياسيا. العالم كله ونتيجة لهذه الفرضية أي فرضية الدور الباكستاني يطلب من باكستان خلق الحلول بسرعة، أمريكا تفعل ذلك وتستخدم كل وسائلها للضغط على باكستان والأمور ليست تحت السيطرة على الحدود الباكستانيةالإيرانية والعالم يريد أن يعرف ما سوف تفعله أمريكا في خطتها الجديدة للسيطرة على الوضع (الافغوكستاني). الحقيقة أن أمام الغرب طريقين الأول: المغامرة في منطقة تتميز بهذا التعقيد بالمزيد من العتاد العسكري وهذا سوف تكون نتيجته انه كلما أصيبت قدم أفغانية سوف يسمع صداها في الرأس الباكستانية، والأحداث المتوالية خلال الأسابيع الماضية تثبت هذا المفهوم. الثاني : ترك المساحة أمام فئتين من اللاعبين في المنطقة الأول: جيران أفغانستان من كل جانب بالإضافة إلى الدول الإسلامية ذات الأثر في الحياة العقدية في أفغانستان من خلال مؤتمر دولي يشرك القوى اللاعبة في أفغانستان حتى وان كانت طالبان التي تؤوي القاعدة. من الخطأ تصور انه يمكن تحويل أفغانستان التي تعج بالأمية والقبلية إلى دولة ديمقراطية بين عشية وضحاها بمجرد وضع صناديق الاقتراع في الشارع الأفغاني فدولة تعيش فيها القبلية منذ آلاف السنين لن تتخلى عنها في عشرات الأيام. النظام العالمي يجب أن يفكر بطريقة الفهم لأفغانستان التكوين الاجتماعي وإلا قد تتحول المنطقة إلى شرارة لحرب عالمية ثالثة وليست أسباب الحرب العالمية الأولى والثانية أكثر منطقية مما يجري في أفغانستان. كل ما تريده أفغانستان لتكون سببا في حرب عالمية أن تفقد إحدى الدول المحيطة بها التوازن لتكون الكارثة. إذا كان هناك من نصيحة يمكن تقديمها للغرب في مثل هذا الموقف فهي التفكير بعقلانية، أما ما يفعله الغرب الآن فهو عملية احتراق شاملة تتداخل فيها كل مكونات قضية افغانستان دون تمييز فهناك القاعدة وهناك العلاقة مع باكستان وهناك الحكومة الأفغانية وضمان استمرارها. العالم أمام فرضيتين في قضية أفغانستان إما إحراقها أو مساعدتها من خلال جميع الأطراف العالمية لتأمين استقلالها وإلا سوف تحترق باكستان ويحرق معها ما لم يكن متوقعا وكل ذلك في صالح القاعدة والتي لن تنتهي كما يعتقد الكثيرون باعتقال رؤسائها الذين يختبئون هناك.