صدر العدد الأول من صحيفة أم القرى يوم الجمعة الخامس عشر من جمادى الأولى عام 1343ه لتكون أولى صحف العهد السعودي ولتصبح الصحيفة الرسمية للدولة وأعلنت في صدر صفحتها الأولى أنها صدرت لسببين أولهما «لتكون واسطة بين العالم الإسلامي وهذه الفئة من العرب المسلمين فتظهر ما عند القوم ليعرف الناس حقيقة الأمر، والسبب الآخر لنشر ما من شأنه أن يبصّر الناس فيما يصلح أمرهم في الدنيا والآخرة». وترجمت الصحيفة ذلك بما نشرته في العدد الأول من مواد تصدّرها بلاغ مكة ثم عدد من الأخبار والبيانات الرسمية والأحداث المحلية والأنباء الحكومية وأخبار عن الأمطار وبعض الإعلانات كما تضمن العدد نقداً لبعض الأمور المعيشية حيث تحدثت عن ارتفاع أسعار الأقوات الضرورية والأحوال التي لا تستوجب هذا الارتفاع وأرجعت سبب هذا التصاعد إلى شره بعض المحتكرين من التجار وأرادت الصحيفة أن تلفت نظر إدارة البلدية إليهم. استمرت الصحيفة في الصدور أسبوعياً وكرست هويتها في أنها الصحيفة الرسمية للدولة فأصبحت تنشر كل ما يتعلق بسياسة الدولة واتجاهاتها في الداخل والخارج واللوائح والأنظمة والمراسيم وخطب الملك عبدالعزيز ونحو ذلك، ثم دخلت فيها بعد ذلك المقالات الأدبية والنقدية والإنتاج الأدبي وأسهمت بدور كبير في الحراك الأدبي والثقافي آنذاك بما كانت تضمه من اختلافات ومعارك أدبية مع أنها الصحيفة الرسمية للدولة، ولما قامت الحرب العالمية الثانية ونشأت أزمة الورق اقتصرت الصحيفة على بعض الأخبار المحلية والدولية وبعض الإعلانات الحكومية ثم عادت بعد ذلك إلى كونها صحيفة شاملة تهتم بالأخبار والمقالات وأصبحت تنشر الأخبار الرسمية والأوامر والبيانات والمراسيم الملكية والميزانية العامة وأخبار مجلس الوزراء والاتفاقيات الدولية وأخبار إمارات المناطق والوزارات والسفراء وأخبار المبتعثين إلى جانب المناقصات والمزايدات الحكومية ومنح الجنسية والمقاطعة العربية لإسرائيل وأخبار كرة القدم. ما يلاحظ على صحيفة أم القرى أنها عادت -مع اختلاف في عدد الصفحات ونوعية الورق ومستوى الطباعة- إلى ما كانت عليه إبان أزمة الصحف في الحرب العالمية الثانية فأصبحت لا تنشر سوى الأخبار الرسمية التي تبثها وكالة الأنباء السعودية كالمراسيم والأوامر الملكية وجلسات مجلس الوزراء والأخبار والاستقبالات الرسمية وبعض الأخبار الحكومية والسياسية الدولية ملتزمة بما تبثه وكالة الأنباء السعودية ثم بعد ذلك كم هائل من الإعلانات الحكومية والتجارية وبخاصة عقود الشركات وتسجيل العلامات التجارية والمناقصات ونحو ذلك. ترى ما الذي تغير في صحيفة أم القرى بعد مرور 88 عاماً على صدورها، وما الذي تغير في صناعة الصحف والإعلام والنشر وغيرها؟ فصحيفة أم القرى بدأت ومازالت الصحيفة الرسمية للدولة لنشر الأمور والموضوعات التي سبق ذكرها غير أن الدولة نمت وقفزت قفزات كبيرة في شتى المجالات والصحافة أيضاً تطورت فبعد أن كانت صحيفة أم القرى هي الصحيفة الأولى صدرت صحف كثيرة من الأفراد في مختلف أرجاء البلاد ثم نشأت صحافة المؤسسات وأصبحت الصحف الخاصة غير الرسمية تصدر من مناطق متعددة في المملكة، وجاء في سياق هذا التطور تأسيس وكالة الأنباء السعودية عام 1390ه أي بعد مرور نصف قرن تقريباً على صدور صحيفة أم القرى وأصبحت هي الوكالة الرسمية وكان الهدف من إنشائها «تكوين جهاز مركزي لجمع الأخبار المحلية والعالمية داخل المملكة وخارجها التي تواكب تطور المملكة وتعكس صورة حقيقية لواقع هذه البلاد وأهلها ولتكون مرآة صادقة لنقل المعلومات على مختلف أشكالها لمواطنيها من مواقع الأحداث في الداخل والخارج» وأصبحت الوكالة تبث نشرتها على مدار اليوم كما تصدر نشرة إخبارية باللغة الإنجليزية وأخرى بالفرنسية ونشرة للخدمات الخاصة. كان تأسيس وكالة الأنباء السعودية ضرورة اقتضاها التطور الإعلامي الذي يشهده العالم كله، ومع أنها تأسست بعد وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية بستة عشر عاماً، فقد استطاعت أن تقوم بدور كبير لم تعد الصحيفة الرسمية (أم القرى) تغطيه بصدورها الأسبوعي ومحدودية انتشارها ومع الوقت أصبحت الصحيفة عالة في أخبارها على وكالة (واس) ومعظم أخبارها تكون (بائتة) حسب مصطلح المطبخ الصحفي، في حين أصبحت الصحف غير الرسمية سابقة ومتفوقة في كثير من الأحيان على أخبار الوكالة عدا الأخبار الرسمية، ولم يبق لصحيفة أم القرى بعد ذلك إلا الإعلانات الحكومية والتجارية وخاصة ما يتعلق منها بتأسيس وتصفية وتعديل بعض بنود الشركات وتسجيل وإشهار العلامات التجارية والمناقصات وغيرها، ومع النهضة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المملكة تكدست هذه الإعلانات التي تشترط الأنظمة أن تنشر في الصحيفة الرسمية وأصبح نشر الإعلان المدفوع القيمة ينتظر أشهراً مع أن الصحيفة تضخمت من أربع صفحات إلى ما يربو على الثمانين صفحة، وهناك تفكير في إصدارها مرتين أسبوعياً لتخفيف هذا الطابور الطويل من أصحاب المصالح التجارية. قبل أربع سنوات خصص مجلس الوزراء ثلاثة مليارات ريال للخطة الخمسية الأولى للحكومة الإلكترونية وهذه الخطة شارفت على الانتهاء ومازالت وزارة التجارة والصناعة تطلب من التجار والصناعيين الإعلان في صحيفة أم القرى مع أن هناك معاملات إلكترونية كثيرة تجري على موقعها بحكم أنه موقع رسمي حكومي وتتم فيه إجراءات أكثر من مجرد إعلان في صحيفة أسبوعية محدودة التوزيع والانتشار، كما أن الإعلانات والمناقصات الحكومية أصبحت تنشر في الصحف غير الرسمية، فما الذي يمنع من أن تنشر هذه الإعلانات على موقعها وفي الصحف إذا كان الهدف هو الإشهار لأنه أكثر انتشاراً وأيسر وصولاً وهو موقع حكومي رسمي، أما إذا كان الهدف هو إجراء بيروقراطي مكدس بالغبار فإن جهود الدولة في الإصلاح الإداري والاقتصادي تدعو إلى إعادة النظر في ذلك لأن الهدف هو تحديث قطاعات الدولة مستفيدين من منجزات تقنيات الاتصالات والمعلومات لتقديم خدمة حكومية متميزة في أقل زمن وأيسر جهد. أعلم أن رئيس تحرير الصحيفة أخي الأستاذ حسين بافقيه وفريقه بذلوا ويبذلون جهوداً كبيرة في سبيل تطويرها لكن الموضوع يحتاج إلى إعادة النظر في الأنظمة القديمة وليس مجرد مطبعة حديثة وهذا ليس بيدهم، فإذا كانت (واس) قد قامت بالدور الإعلامي العصري فيما يتعلق بالأخبار والتقارير الرسمية، وإذا رأت وزارة التجارة أن تقوم بدورها في نشر الإعلانات التجارية التي تخصها ضمن أهدافها في خدمة المواطن فرداً كان أو مؤسسة والمستثمر الأجنبي بأيسر السبل وأقصرها، وإذا استأثرت الصحف الورقية والإلكترونية بالأخبار والتحليلات والآراء فإن على صحيفة أم القرى أن تعيد النظر في رؤيتها ورسالتها وأهدافها. إن صحيفة أم القرى ليست مجرد صحيفة رسمية فحسب، فهي أول صحيفة صدرت في العهد السعودي وكان لها دور كبير وحافل في النهضة الإعلامية والأدبية والفكرية عبر مسيرتها الطويلة وحملت باقتدار رسالتها التي وضع أسسها الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- ومن حق الصحيفة علينا ووفاء لتاريخها الطويل أن نعيد لها هويتها الحقيقية والوهج الذي كانت عليه.