كنا في يوم من الأيام نعتقد ان فتاوى التكفير والقتل تصدرها القاعدة أو جهات مجهولة أو أشخاص متطرفون ولكننا في الآونة الأخيرة أصبحنا نقرأ ونشاهد ونسمع فتاوى التكفير والقتل في مواقع الإنترنت وبعض برامج الافتاء لبعض القنوات (الإسلامية) لأشخاص معلومين ومعروفين، ولم أتعجب من ذلك بل كان متوقعاً للأسف وتزداد خشيتي من الفتاوى القادمة.. ماذا ستكون وكيف سوف تؤثر في المجتمعات المسلمة، وذلك بسبب العبث الممارس من بعض من يدعي العلم أو طلابه أو ممن يملك العلم وليس لديه مقومات الافتاء السليمة ودراية كاملة بالمصالح والحكم، حتى تسابق بعضهم إلى ما يسمى بعلم الغرائب بالفتاوى تشدداً وتنطعاً أو تفريطاً، وقد أشرت إلى بعض النقاط التي تتعلق بالفتاوى نشرت في جريدة «الرياض» يوم الجمعة بتاريخ 1430/11/4ه ، ولعلي هنا أتقدم ببعض المقترحات التي تخص الفتوى وأصحابها.. الأول: حصر الفتاوى العظمى والكبيرة في لجنة البحوث العلمية والافتاء والتي تحظى باهتمام بالغ من خادم الحرمين الشريفين وأوكل إليها نخبة من العلماء الأجلاء، فليس من المصلحة تدخل غيرهم في هذه المهمة وخاصة في المسائل التي تخص المجتمع والوطن السعودي بأكمله، فمن الأولى تحويل هذه الفتاوى إليها وعلى كل طالب علم مهما بلغ ان يحيل كل سؤال يسأل ويستفتى عنه إليهم وبذلك تتحقق المرجعية العلمية عند الخاصة والعامة من الناس، وأعتقد ان في ذلك مصلحة عظمى لتحقيق وحدة الجماعة والأمة، وإحالة هذه الفتاوى ليس انتقاصاً لغيرهم بل هو طاعة لولاة أمرنا ثم لما لديهم من علم وحكمة ودراية وخبرة واطلاع يجعلهم أكثر احساساً بالمسؤولية عن غيرهم. الثاني: متابعة برامج الافتاء في الإذاعات والقنوات الفضائية ومعرفة أهلية المفتين ومنع كل مفتٍ ليس أهلاً لذلك إما بمخاطبة الوسائل الإعلامية أو مخاطبة المفتي، ويا حبذا من لجنة البحوث العلمية والافتاء من إصدار قوائم للمفتين بعد التحقق من أهلية المفتين المستضافين لتلك البرامج وهي ما تسمى بالتزكية، وهذا ما تفعله وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف مع الدعاة في القاء الكلمات والمحاضرات، ثم ما الفنون التي يتقنها هذا المفتى بشكل واضح ومتخصص بها لكي لا يقع الناس في مغبة جهل المفتين وعدم كفايتهم فمن النادر جداً وجود عالم لديه علم بجميع الفنون والعلوم وخاصة فيما يستجد على أرض الواقع من معاملات وعادات وسلوكيات وممارسات كثيرة من الصعب معرفة المفتي بها إلاّ أنه من الممكن تخصصه في فن معين ويتعرف عليه وعلى مستجداته ويبحث فيه ليكون أهلاً في ذلك. الثالث: تخصيص موضوع برامج الافتاء حسب تمكن المفتي فتخصص الحلقة للمسائل المالية فقط مع الشيخ الفلاني ومسائل التجميل مع .......... وهكذا وفي ذلك فائدة كبيرة للمفتي والمستفتي، إذ تعاني برامج الافتاء من ضيق الوقت وتشتت المستمعين وتشويش المفتي وعدم تركيز مقدمي هذه البرامج، بل إنني أدعو إلى تخصيص كل حلقة أو أكثر لفتوى واحدة تتعلق بمسألة شرعية مهمة لعرض آراء العلماء المعتبرة جميعاً مع الأدلة والبراهين ومناقشتها بشكل علمي لكي ننتهي من أزمة القول الواحد والفتوى الواحدة. الرابع: تكوين لجنة قانونية عليا لمحاسبة المفتين الذين يتجاوزون حدودهم ومكانتهم أو ليسوا أهلاً لذلك أو يسببون البلبلة والفوضى عند الناس وبذلك سيحتاط المفتي من العبث أو القول على الله بغير علم أو من الفتاوى التي لا تخصه ويحق لأهل الاختصاص والمسؤولين عن سلامة المجتمع الفكرية والدينية محاسبتهم أو منعهم أو اتخاذ أي إجراء مناسب لمثل هؤلاء، وأضيف هنا تساؤلاً مهماً لتلك الفتاوى التي تفتي بالتكفير والقتل من سينفذ هذه الفتاوى الناس أم الشباب، العاطفيون الحماسيون أم الجهلة المغرر بهم وكأني أجدها دعوة منكم لمثل هؤلاء كفروا واقتلوا!! أخيراً: ان مشكلتنا تكمن في المستوى الفكري وثقافة القول الواحد وعدم احترام الآراء المعتبرة والاغترار بالذات وتقليد الآخرين وعدم مراعاة الزمان والحال والاقصاء في الاختلاف وها نحن نصل إلى التكفير والقتل والغوص في نيات الناس وتسفيههم، وماذا سنجني من فتاوى التكفير والقتل في مثل هذا الوقت إلاّ التخريب والفساد والفرقة والنزاع والتشتت بالإضافة إلى زيادة مسافات التقريب والوحدة وهذا ما يخالف شريعتنا السمحة وتوجهات ولاة أمرنا في هذه البلاد، ولذلك ادعو الجهات المسؤولة بسرعة تدارك موضوع الافتاء والحزم بشدة فيه، وايقاف الفتاوى المتجاوزة وكذلك البيانات التأكيدية لها والتي تحمل أسماءهم ومناصبهم وجهاتهم وسؤالي هل هؤلاء مخولون بإصدار هذه الفتاوى والبيانات للناس وتعمم عليهم ولا نجد فيها توقيعاً لأي عالم من كبار العلماء أو إذناً من ولاة أمر هذه البلاد مما يدل على تجاوزهم لصلاحياتهم وتدخلهم في اختصاص غيرهم. * إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح