زعامات الهند التاريخية ظلت بحجم وطنها وصورتها المسالمة والمنفتحة على الأديان والثقافات وهو ما أكسبها أمناً فريداً لمجتمع تتعدد فيه الأعراق والفقر والطقوس الغريبة، غير أن العقد الديموقراطي الذي يساوي بين الجميع خلق أجواء التعايش بمفهوم أن الأرض للكل، وأن الأفكار والآراء والمعتقدات هي خصوصية إنسانية، وهذا الجمع بين الأرض والفكر ساعد الهند لأنْ تتجه لتكون طليعة عالم المستقبل بنمو قد يتجاوز ما قبلها من الدول التي وسّعت نفوذها وقوتها على حساب الآخرين، والعكس مع الهند، فهي تريد أن تعتمد على إمكاناتها البشرية والمادية، وتنفتح على الجميع بما يحقق لها علاقات متميزة مع كل دول العالم.. وحتى نصل إلى النقاط المشتركة بين الدولة الكبرى والمملكة، نجد أن هناك عوامل كثيرة تجمع البلدين في إطار المصالح المشتركة، والتغلب على نوازع الحروب والإرهاب، والتقدم أكثر من خطوة باتجاه البناء والتنمية في إطار تعاوني.. في مجلس الشورى السعودي تكلم الدكتور «مانموهان سينغ» رئيس وزراء الهند عن التاريخ وخطوط التواصل مع المملكة، وكيف أصبح الإسلام والمسلمون مرتكزاً للحياة في البلد الكبير حتى إن نضج تلك الفئات ، وعدم انخراطها في سوق المزايدات السياسية، أو استعمالها قنطرة في توزيع الولاءات أو تفجير الغضب ضد ما هو مسلم، أكدا أن التعايش وصل إلى حدّ يُحتذى في المجتمعات الأخرى، ثم إن السيد «مانموهان» طرح أفكار المستقبل وكيف أن المملكة والهند تتجهان إلى بناء الإنسان في وصفة خاصة كهدف رئيسي يعد على قائمة أولويات كل بلد يريد الخروج من أسْر التخلف إلى المعمار الدائم.. ما يربطنا بالهند أمر معروف وحيوي طالما العلاقات تتغير وفق معطياتها الزمنية ولعل بلدان الكثافة السكانية والمساحات الكبيرة، لم تكن عدوانية أو استعمارية، بل العكس ظلت، تاريخياً، مطمعاً للغزوات والفتوحات والاستعمار ، والهند والصين تتشابهان من حيث الظروف التاريخية، حتى إن تسمية المنطقة العربية، بغرب آسيا من قبل الهند، تعدّ كسراً لقاعدة الشرق الأوسط كتسمية استعمارية لبريطانيا.. الزيارات المتبادلة بين زعامات البلدين، لا نقول إنها أسّست لعمل جديد هو في الأصل قائم، وإنما وسعت الدائرة لتشمل العديد من المشاريع على مستوى الدولتين أو القطاع الخاص وهنا لابد من التذكير أن كلاً منهما يملك طاقات يحتاجها الآخر، ويبقى تبادل المصالح جزءاً من مفهوم لابد أن يتحقق على الواقع، وهذا النموذج من العلاقات قد يدخل في صلب سياسات خارجية تأتي على أولوياتها إنهاء الأزمة بين الهند وباكستان، وبتعاون هذه الدول يمكن التغلب على مشكلات أفغانستان وأمن الخليج ، وجعل الممرات الاستراتيجية خارج صدام القوى الخارجية.. الزيارة عمقت الصلات بين البلدين وجعلت الاستثمار المفتوح خطاً قائماً بينهما وبإدراك أن العمالة الهندية في المملكة تتجاوز المليون، والتبادل التجاري المتصاعد كل عام، وإعداد قائمة بالمشاريع بينهما فإن ذلك يعطينا اليقين أن البلدين يسيران على درب واحد يتجه لأهداف طويلة تساعد على الاستفادة من الإمكانات المتاحة أو التي تولدها ظروف المستقبل..